الأربعاء، 30 يوليو 2014

تزيين البحث المتين...

(تزيين البحث المتين)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين ... أما بعد
فالحمد لله على تيسيره وسائل العلم والمعرفة لنا، وتذليله سبل الوصول إلى مرضاته وجنّاته.
كتبت قبل عام مادة صغيرة حول موضوع مهم يستحق مزيدًا من البحث والاستيعاب وهو عبارة (إسلام بلا مسلمين) وأثرها السلبي على أبناء الإسلام.
وقد أعانني الله ويسّر لي أن كتبت مزيدًا من التعقيب والتعليق الذي أرجو أن يكون فيه فائدة زائدة على ما ذُكر سابقًا..
وبلا مقدماتٍ طويلة أترككم مع التعليقات التي أسميتها (تزيين البحث المتين)...

*تنبيه مهم*: أخطأ الكتاب -غفر الله له- في نقل الآية القرآنية: ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا))، وكتبها خطأً من غير قصد على غير وجهها...وسيتم تدارك الخطأ بإذن الله لاحقًا..

* القراءة المباشرة:

* لتحميل البحث بصيغة pdf:

والحمد لله رب العالمين...

البراء بن محمد 
ليلة الأربعاء 3/10/1435هـ - 30/7/2014م 
في مدينة النبي صلى الله وسلم..

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

انتظار لن ينتهي (الجزء الثالث وربما الأخير)

                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين..
أما بعد..
فهذا الجزء الثالث (وربما الأخير) من سلسلة انتظار لن ينتهي..
كنت قد تحدثت في الجزء الثاني عن صفات وخصال المنتظرين للتغيير الخارجي، وذكرنا أبرزها وهي: (التشبه بالآلة-حفظ الحركة-فقدان التحكم-فقدان الحرية-الجمود-الخوف من التغيير-العشوائية) وهي كما ترى خصال متشابكة ومترابطة.
وقبلها تحدثت عن الزمن وتأثيره.
وفي هذا الجزء أختم سلسلة انتظار لن ينتهي بتعليق جامع.
يقول الله تعالى: ((عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال*سواءٌ منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مُستخفٍ بالليل وساربٌ
 بالنهار*له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال)).
الله سبحانه وتعالى أعطانا الحرية، ومنحنا الإرادة، ووهبنا القدرة، ومتى ما تكاملت واجتمعت الحرية والقدرة كانت المسؤولية لازماً من لوازم ذلك..
منح الله الإنسان قدرة التغيير الذاتي والتي تميزه عن كثيرٍ من المخلوقات، فالإنسان يغير ويتغير (وبالطبع لا يخرج تغييره عن دائرة مشيئة الله)، وينعكس تغييره على نفسه، بل يتعداه إلى محيطه.
وجعل الله فرصة التغيير للإنسان متاحة بقدر عمره، فالفرص تتوالى عليه، وهو من يستغلها إما لصالحه أو لعكس ذلك.
إن الإنسان يعمر لو شاء أو يهدم الإنشاء، يعبد الله أو يكفر به، بيده أن يتغير للأفضل أو يتغير للأسوأ...
ليس الإنسان مسماراً أو مسنناً في يد الطبيعة أو القدر، بل متى قامت عليه الحجة، ووُجدت لديه القدرة، وكان حراً فهو مُكلفٌ مسؤول. 
فإما أن يوقظ الإنسان الطاقة الكامنة في داخله ويتوكل على الله في ذلك، قاصدًا نيل خيري الدنيا والآخرة، وناهضًا بنفسه ومجتمعه فيُحمد على ذلك ويكون له المجد الكبير والفوز العظيم في الدنيا والآخرة.
أو يخمل وتخمد شعلته، وينتظر أن تتغير السماوات والأرضين، بينما هو في غفلته سادرٌ غافلٌ لاهٍ.
"اقرأ التاريخ إذ فيه العبر *** ضاع قومٌ ليس يدرون الخبر"
ولنعلم أن ما سنحصده من ثمرات أو جمرات هو حصاد أعمالنا وتغييرنا لما حولنا، فإن غيرناه للأفضل، فبها ونعمت، وإلا فإن التغيير للأسوأ لن يأتي إلا بشر.
وفقنا الله جميعًا للتغيير والتغير نحو الأفضل والأحسن والأكمل. 
البراء بن محمد 
الرياض 
17/9/1435هـ 
15/7/2014م 

السبت، 5 أبريل 2014

انتظار لن ينتهي (الجزء الثاني)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين،
أما بعد، فهذا الجزء الثاني من (انتظار لن ينتهي).
وكنت قد طرحت في الجزء الأول مقدمةً عن انتظار المتغيرات الخارجية وتأثيرها على الواقع، وكيف أن كثيراً من الناس ينتظرون قدوم التغيير من الخارج.
وفي هذا الجزء أتحدث عن الزمن وتأثيره علينا، وكذلك عن خصائص وسمات منتظري التغيير من الخارج.
*الزمن
يكاد يجمع البشر ويتفقون (على كثرة اختلافهم وتفرقهم) على أن الإنسان له بداية وله نهاية، ويعيش عمراً محدداً، لا يزيده أو ينقصه.
فنستطيع تمثيل حياة الإنسان بهذا الخط المستقيم
البداية------------------------------------------------------------------------------------------------النهاية
يتحرك الإنسان في حياته منطلقاً من البداية حتى يصل إلى النهاية، وحينها تنتهي حياته وأعماله.
نقول إن الزمن خط متحرك، بدأ ونشأ من نقطة بعيدة مجهولة لا نستطيع تحديدها، ولا يزال متحركاً بسرعته الثابتة، ما لم يطرأ عليه تغيير في ماهيته.
وقد يسر الله علينا، وأرشدنا إلى وسائل ووحدات نستطيع بها تقسيم الزمن كـ(الثانية-الدقيقة-الساعة-اليوم-....إلخ).
وعموماً هناك جدال طويل حول تعريف الزمن وماهيته، ومعركة كبيرة بين الفلاسفة والمفكرين، وقد لخص العالم المشهور إتيين كلاين في كتابه (هل الزمن موجود?)  كثيراً من المفاهيم والرؤى حول الزمن. وهذا الكتاب ترجمه د.فريد الزاهي إلى العربية
...
(المستقبل)---------------------------------------(الحاضر)-------------------------------------------(الماضي)
حياة الإنسان دائرة بين هذه المحطات الثلاث، فمنذ لحظة البداية والخلق، كان عمرنا يتمثل لنا مستقبلاً بعيداً عالياً كقمة الجبل المرتفعة، فإذا به يتقارب فيصبح حاضراً، نعيشه ونحيا في لحظاته، ثم يتباعد فيصير ماضياً سحيقاً..
 المستقبل، لا نستطيع عيش لحظاته لأنه غائبٌ عنا، فنحن لا نستطيع أن نتجاوز الدقيقة التي نحن فيها لنمسك بدقيقة الغد، وأما الماضي فقد أفلت من أيدينا، فلا نستطيع مطاردته وإلا فإن اللحظة الحاضرة ستضيع أيضاً.
ولذلك قال أحدهم:
"ما مضى فات والمؤمل غائبٌ *** ولك الساعة التي أنت فيها"
لحظة الفرح ولحظة الحزن متساويتان في السرعة، ودقيقة الضحك ودقيقة البكاء، تتحركان بنفس التسارع.
إن الساعة التي تقضيها في قاعة الاختبار مساويةٌ في المقدار للساعة التي تقضيها في لعب الكرة، نعم إن شعورك الداخلي بالوقت قد يجعله ثقيلاً عليك أو يجعله يمرعليك كمر السحاب.
ومع ذلك فلن تصبح ساعة لعب الكرة 30 دقيقة، وتصبح ساعة أداء الامتحان 80 دقيقة، إنهما متساويتان.
من ذلك أستطيع استنتاج أن الزمن محايد، فلا تستطيع وصفه بالخير أو بالشر، إنه يمضي بصمت وحيادية شديدة، أنت من يلوّنه ويصبغه بما تشاء من أعمال.
عمرك يمضي وينقضي سواءً عملت فيه أم لم تعمل، إن مثلك ومثل العمر كشخصٍ يكتب في دفتر كبير، لا يعلم عدد صفحاته، ولكنه يكتب باستمرار، سيكتب أي شيءٍ قام به حتى الانتظار المجرد سيدونه، ثم يقلب الصفحة، ويتلوها بصفحة أخرى،ولكنه لا يعلم متى ستكون الصفحة الأخيرة التي يطوي فيها كتابه.
وفي النهاية، ستسأل عن كل ما سطّرته يداك في هذا الكتاب، وفي ذلك يقول الله: ((وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً*اقرأ كتابتك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)).
الخلاصة:
الزمن يجري  رغماً عنك، وهو محايد في سيره، ومعتدل في سرعته، فلا يزيد ولا ينقص (ما لم يتغير نظامه)، فبالتالي انتظار قدوم التغيير مع تغير السنين لن يأتي بنتيجة مطلقاً.
لذا فسب الزمان وشتمه لن يعود علينا بخير أصلاً، لأننا نحن من يجعل زماننا طيباً مباركاً أو فاسداً ظالماً.
"نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا"
إن وجودك الآن أو قبل قرنٍ من الزمان، لا يعني شيئاً بحد ذاته، ولا يغير فيك شيئاً، وأنت لن تتغير إلا مع متغيرات ذلك الزمان، وليس بمرور الزمن المجرد.
مثال حتى تتضح الصورة، لو قدّر لنا واستطعنا أن نختطف أحد أجدادنا الذين عاشوا قبل 200 سنة، ثم تقدمنا به نحو زماننا وقذفناه في تلك المدينة الصناعية الكبيرة، كيف سيتصرف وقتها؟ سيتصرف كما كان يتصرف هو في زمانه، ولن يتصرف كما يتصرف الناس بعد 200 سنة.
وبالمثل لو قذفوك نحو غابة نائية قبل أكثر من 500 سنة، فإنك ستضجر وتمل بسرعة، ولن تعرف كيف تتعامل مع الحياة هناك بلا هاتف نقال أو حاسوب، وستتصرف كما تتصرف في زمانك هذا.
 والسبب أن مرور السنين وحده لا يغير في الإنسان شيئاً، ولكن يساعد في تغييره العوامل الخارجية (تغير المكان-تغير الناس وعاداتهم-تغير الجو) وكذلك العوامل الداخلية (تغير شكل الجسم والعقل بعد مرور السنين).
------------
حسناً...بعد بحث مسألة الزمن وتأثيره، لنرَ ما هي خصائص وصفات الأشخاص الذين ينتظرون التغيير من الخارج..وذلك قبل انتقاد هذا المنهج.
هناك سبع خصالٍ تميز المنتظرين للتغيير من الخارج، وسيماهم في أعمالهم وأقوالهم، وقد توجد لديهم صفات سلبية أكثر.
1-التشبه بالآلة:
الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج ويترقبه هو في حقيقة الحال وعاقبة المآل، آلةٌ تنتظر فعل الفاعلين حتى تتحرك أو تعمل.
إنه مسمار ينتظر ضربة المطرقة، وينتظر قبلها أن يضعه النجار في المكان المناسب.
وهو مسننٌ في بطن المحرك أو الساعة ينتظر حركة الآخرين قبل أن يبدأ بالدوران والتحرك.
كل الآلات التي يصنعها الإنسان تتسم بأنها قوة لا تتحرك إلا بمساندة فاعل، وغير ذلك فإنها تبقى عديمة الفائدة والحركة.
فالذي ينتظر التغيير من الخارج صار مثل الآلات، بل صار أسوأ وأقبح منها، لأنه يستطيع التغيير ومع ذلك فإنه عطّل نفسه بإرادته.
ومكمن الخطورة أن هذه الآلات قابلة للدمار والعطل والخلل، بمجرد إساءة المتحكم بها، وهي بالطبع ليس لها إرادة.
فالشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج ويبني عليه آماله وأمنياته، هو منتظرٌ للتغيير المجهول الذي قد يغيره نحو الأفضل أو الأسوأ.
2-حفظ الحركة (الطاقة):
الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج، هو من أكثر الناس حفاظاً على طاقته، فهو لا يغيرها أو ينتج منها قوةً فعالة، بل يترك هذه الطاقة خاملةً لديه، تنتظر التشغيل من الآخرين.
ورغم أنه الأعرف والأدرى بكيفية استثمار طاقته، إلا أنه يتركها هكذا لعل أحدهم يتبرع ويضغط الزر الأحمر، أو يحفزه للعمل.
وهكذا إما أن تصبح الطاقة في عمل وإنتاج (سواءً كان في الخير أم في الشر) أو تبقى خاملة لفترة، ثم تبدأ بالتلاشي شيئاً فشيئاً.
3-فقدان التحكم:
أصحاب التغيير من الخارج، ليس لديهم استقلالية في اتخاذ قراراتهم وآرائهم، وذلك لأنهم لا يملكون مفتاح ذلك أصلاً، وهو التغيير الداخلي، فالشخص العاجز عن التفكير السليم في مصلحته، والشخص العاجز عن إدارة وقته، هو من أضعف الناس قدرةً على اتخاذ القرار السليم.
وبسبب ذلك، فإنه سينتظر متى سيقرر أهله الزواج، وسينتظر أصدقائه حتى يقرروا له التخصص المناسب، وهكذا، وهو يكون في موضع الاختيار الجبري، لأنه لا يملك خيارات أخرى أو بالأصح لم يفكر فيها أصلاً.
وبالتالي، فإن حياة أي شخص ينتظر التغيير من الخارج ستخرج من ملكه إلى ملك غيره، وسيستمتع بها غيره أكثر منه.
4-فقدان الحرية:
الشخص الذي ينتظر التغيير الخارج، هو شخص غير حر، لأنه قيّد نفسه، وكبّل فكره، فلا يستطيع أن يتحرك في مسارات أخرى أو يشق طرقاً مختلفة، وذلك بسبب العبودية التي سربل نفسه بها.
إن الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج لا يملك اتخاذ قراره بنفسه، وهذا أكبر مطعن في حريته، لأن الحرية إرادة وقدرة، ومتى ما سقطت الإرادة تهاوى بنيان الحرية.
ولذلك فإن العبد (أي عبد) ينتظر التغيير القاسي حتى يتغير من نفسه، ويستقيم، ويواصل في الطريق المستقيم.
وفي ذلك يقول أحدهم:
العبد يُقرع بالعصا *** والحر تكفيه الملامة
إن مجرد وجود لافتة ضوئية على جانب الطريق، لكفيلة بأن تهدئ من سرعة بعض المبالغين في سرعتهم، ولكنها غير كفيلة بذلك بالنسبة لكثيرٍ من المتهورين الذي ينتظرون الهلكة أو الإصابة البليغة حتى يتعظوا ويتوقفوا.
5-الجمود:
قلنا أن الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج هو آلة تنتظر الفعل من الخارج، وهي في نفس الوقت، جمادٌ لا يتحرك.
إنه كشخص أراد التوجه نحو مدينةٍ ما فركب سيارته، وأدار المحرك، ولكنه توقف بعد أمتار قليلة، لأنه نسي الوجهة، أو ضل الطريق، أو ليس لديه خريطة، أو يريد تعبئة الوقود.
ومع كل تلك الظروف الصعبة، فإنه يسند مقعده للوراء، ويغفو غفوةً طويلة، عسى أن يأتي أحد أهل الخير ليرشده ويمسك بيده، ويوصله نحو الهدف.
ما أصعب أن يتحول الإنسان من كتلة روحية متحركة إلى مادة جامدة صلبة لا يستفيد منها الناس!
والإنسان جزء كبير من الحياة، فماذا لو توقفت هذه الطاقة الكبيرة من الحركة والعمل؟
من سيعمر الأرض ويسهل الحياة؟!
6-الخوف من التغيير:
أكثر الناس خوفاً من تغيير واقعهم هم الذين ينتظرون التغيير من الخارج، لأنهم يظنون ويعتقدون أن التغيير الداخلي له تكاليف كبيرة، وتبعاته ثقيلة، لذا فيتوقفون عن أي محاولة للإبداع أو التجديد، إلى أن يجبرهم الآخرون على ذلك.
وبسبب خوفهم هذا، فإنهم يتوقعون أن تبعات التغيير الخارجي أسهل بكثير من التغيير الداخلي، لذا يركنون إلى تغير الزمان والمكان.
إنهم يخافون من التغيير ولو كان خوفهم على حساب تحقيق أهدافهم، إنهم ينتظرون وجود الطريق السهلة الهيّنة واللينة.
وقد يتأخرون عن تحقيق أهدافهم حتى توافيهم المنيّة وهم في أدنى الدنيّة.
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
7-العشوائية:
بالطبع لن تجد شخصاً ينتظر التغيير من الخارج وهو صاحب خطة وهدف محدد وواضح، إنه يسير في الحياة متخبطاً كما يتخبط السكران وهو يمشي في الشارع، أو كورقة شجر تحركها الريح حيث شاءت.
إنه يسير بسيارته خبط عشواء، حتى يجد المسار الصحيح، وقد يعلق في حفرة، ولكنه لن يكلف نفسه عناء الخروج منها أو حتى شرف المحاولة.
إنه سيعمل يوماً وينام عشراً، يذاكر ساعة ويلعب ساعتين، يتخبط بين الإفراط والتفريط، بين الغلو والتساهل، وقد يموت دون الوصول إلى سبيل الاعتدال.

فهذه السبع خصال، هي خصال قاتلة ومدمرة، متى اجتمعت في أحدهم، فإنه قد انضم رسمياً إلى حزب "المنتظرين للتغيير من الخارج"
وباستقراء هذه السبع خصال، وتطبيقها نجد أن المئات بل الآلاف من الناس ينتظرون على رصيف الحياة، قدوم التغيير من الخارج.
فهل منهج التغيير من الخارج وانتظاره سليم ومجدي؟ 
وهل هناك آثار سلبية ومقيتة لانتظار التغيير من الخارج؟
هذا ما سنراه وندرسه في الجزء الثالث إن شاء الله...
والحمد لله رب العالمين
البراء بن محمد
ليلة الأحد 1435/6/6هـ
2014/4/6م

الجمعة، 28 مارس 2014

انتظار لن ينتهي (الجزء الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين...
أما بعد...
الانتظار والترقب، هي لحظات من الشوق نحو المجهول أو المعلوم، ننتظره بأملٍ كبير أو يأس عظيم، ننتظره باستبشار وفأل، أو تشاؤمٍ يضيق الصدر أو قلقٍ يمنع النوم.
الانتظار قد يستطيل ويتمدد عبر الزمن، ليستهلك عمرنا كله دون إدراك أملنا المطلوب، وهدفنا المرغوب.
ننتظر الزواج، وننتظر الموت وننتظر النجاح، وننتظر الفشل، وننتظر الحبيب، وننتظر الراتب، وننتظر نتيجة الدراسة.
تعددت الانتظارات، والعمر يمضي والزمان يمر بسرعته المعتادة ليس بطيئاً أو سريعاً، ولكن بسرعته التي أوجدها الله فيه.
هناك انتظار طويل جداً، سأتحدث عنه، وفيه يمضي كثيرٌ من العالمين وقتهم حتى يقضي الله آجالهم..
إنه انتظار التغيير من الخارج...
ينتظر خالد أن تأتيه نصيحة ذهبية تغيّر حياته للأبد، تنقله من الحضيض إلى العلو، ومن الجحيم إلى النعيم، ومن العمق إلى السطح، لقد سمع خالد كثيراً عن قصص العظماء الذين غيّرت حياتهم كلمة واحدة، فما بالك بجملة أو عبارة!
لماذا لا يكون خالد عظيماً مثلهم، وينتظر النصيحة القوية العظيمة وهي تأتيه في طبق ذهبي؟
ينتظر سعد أن يتغير أصدقاؤه للأفضل، حتى يطيروا به نحو المعالي، ويأخذوا بيده نحو الخير، ويبعدوه عن طرق الغواية والخُسر.
فسعد يعلم جيداً أن الأصدقاء لهم تأثيرهم القوي على من يصاحبهم، وهو يحفظ تلك الحكمة جيداً (قل لي من تصاحب أقل لك من أنت).
ينتظر أحمد أن يكون في مدرسة عظيمة فيها جميع المرافق التعليمية المتميزة، وفيها المنافسة الشديدة والمحتدمة بين الطلبة، وفيها المدرسون المتميزون الذين يوصلون المعلومة بسهولة للطلبة، ويحفزونهم على النجاح، وكل ذلك حتى يحقق أعلى الدرجات.
ينتظر كامل تلك الدعوة الصالحة التي تغيّر حياته للأبد، وتهديه إلى الصراط المستقيم، ينتظر تلك الأكف التي ترتفع إلى السماء، لذا فهو دائماً يلح على الناس أن يتذكروه بالدعاء في كل لحظة.
...
كل هؤلاء وغيرهم وملايين البشر من قبل ومن بعد، ينتظرون أن تتغير البيئة من حولهم، حتى يغيروا أنفسهم بسهولة للأفضل، إنهم يتصورون البيئة التي حولهم مثل المسننات داخل الآلة، أو مثل الحيوان ضمن قطيعه وجماعته.
إنهم ينتظرون نزول التغيير من السماء، أو خروجه من باطن الأرض، أو إتيانه من الخارج...
إنهم يتصورون أنفسهم كالمسمار الذي يحتاج إلى المفك الذي يربطه جيداً ويضعه في المكان المناسب، والمسمار لا قيمة له من غير المفك.
....
إنهم ينتظرون وما أطول انتظارهم وما أبعدهم عن إدراك الغاية والمطلب...
إنهم يتجاهلون أو يجهلون قيمة وأهمية التغيير الداخلي للنفس، ويضعون كامل ثقتهم ومطلق أملهم في البيئة المحيطة أو القدر.
ولكن كم سينتظرون حتى يأتي التغيير من الخارج وتنزل الفرص من السماء؟
سنة أو سنتين أو عقداً من الزمان أو قرناً طويلاً؟
وهل نستطيع أن نتحكم في عمرنا بالإيقاف أو التمديد والتقليص؟
إن الذين ينتظرون قدوم التغيير من الخارج أو البيئة المحيطة أو ينتظرون الدهر والقدر، إنما هم كشخصٍ راغبٍ في السفر إلى وجهةٍ بعيدة، وينتظر مترقباً في محطة القطار مجيء القطار المناسب، لا يعلم كم سينتظر، ولكنه لن يحاول الوصول إلى وجهته بطريقةٍ أخرى بطائرةٍ أو سفينة أو سيارة أو مشياً على الأقدام..
إنه ينتظر قدوم القطار الذي قد يتسارع منطلقاً نحو هدف آخر، وقد لا يدركه هذا الشخص أصلاً...
شط المزار بسعدى وانتهى الأمل *** فلا خيال ولا رسمٌ ولا طللٌ
إلا رجاءٌ فما ندري أندركه *** أم يستمر فيأتي دونه الأجلُ
ولكنه يظل انتظاراً مريحاً ولا يتطلب منهم أي جهد يبذلونه سوى الاسترخاء والراحة، والقليل من التفكير، وكل هذه المميزات تريحهم وتخفف من طول ووطأة الانتظار.
...
نرجو وننتظر أن تطل علينا رياح التغيير، فتحرك (المراوح) الموجودة لدينا، وتفجّر طاقاتنا الداخلية، ننتظر النصيحة الجميلة الرائعة التي تغيّر مسارنا نحو الأفضل، فنحن كالطواحين الكبيرة التي تنتظر هبوب الرياح حتى تتحرك مراوحها وتطحن الحبوب.
وننتظر أن نجد الصديق المتميز المثالي الذي يعيننا على القيام بالخيرات، والانكفاف عن الموبقات، ننتظر أن نجد هذا الصديق، ولا نبذل حتى الجهد البسيط في البحث عنه، فقد يأتي به الله إلينا منقذاً ومخلصاً، وإلا فسنظل نراوح مكاننا، فنحن كالسيارة التي تنتظر قدوم السائق مع مفتاحها حتى تتحرك.
وننتظر أن تأتي كارثة طبيعية أو يحدث ظرف قاهر للدكتور أو المدرس فيتأجل الاختبار، أو توضع أسئلة سهلة جداً، أو يقيّض الله لنا من يساعدنا بالإجابات، وإلا فلن نذاكر أو ندرس، فنحن كالحاسب الآلي ننتظر من يوصلنا بالكهرباء، ويستخدمنا باحتراف ومهارة حتى نعمل بكفاءة عالية.
وننتظر أن يأتي الله بالرجل المخلّص أو ينزل صاعقةً من السماء، أو يأتي بالملائكة، أو يصيب عدونا المحتل بالطاعون والأمراض الخبيثة، وإلا فلن نطلق البارود أو نحفّز الجموع لتحرير الأرض والجهاد، فنحن كبيادق الشطرنج، تحتاج لمن يحركها.
نرجو وننتظر ولكن ما هي نتيجة انتظارنا ورجاءنا وترقبنا وشوقنا؟
...
الجميع لديهم (رجاء) ولكن ليس لديهم (أمل) إلا القليل، كل الطلاب (يرجون) النجاح، وكل الشباب (يرجون) الزواج، وكل الرجال (يرجون) العمل المريح المناسب ذا الدخل المرتفع...
ولكن القليل منهم (يأملون)، وذلك لأن (الأمل) يختلف عن (الأمنية)...
فالأمل يكون انتظاراً واستبشاراً بالنتيجة الجميلة، ولكنه ليس انتظاراً في محطة القطار، بل هو انتظار يرافقه العمل ويتزامن معه،هو انتظار المزارع الحريص لخروج محصوله، وانتظار الطالب المجتهد لنتيجة الدراسة، وانتظار التاجر المثابر لقبض [ثمن] أتعابه وأعماله. انتظار يصاحبه عمل.
والأمنية هي انتظارٌ ورجاء للمستحيل أو الممكن، يتمنى المسن أن يعود صغيراً، ويتمنى الكسول أن ينجح، ويتمنى العاطل عن العمل أن يجد وظيفة، فكلهم ينتظرون في المحطة، ويجلسون في المقاعد، ولا يتحركون. انتظار بلا عمل.
...
هل الطبيعة تغير الإنسان وهل الزمان والمكان يؤثران فيه؟ وهل انتظار المتغيرات الخارجية منهج سليم؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني..
والحمد لله رب العالمين..
ليلة السبت 1435/5/28هـ
الموافق 2014/3/29م 

الأربعاء، 26 مارس 2014

بكاء على أوراق الكتب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين،
البكاء انفعال إنساني يدل -عادةً-على التأثر والتفاعل السلبي مع المواقف التي يمر بها الإنسان، والبكاء له دلالته القوية على الحزن العميق أو السطحي الموجود لدى الإنسان بسبب فقد عزيز أو خسارة مالٍ أو أي مصيبة دنيوية تمنح الحزن وتمنع السعد.
(هناك البكاء الذي يكون سببه الفرح وهذا لم أتطرق إليه هنا، لأن الغالب أن البكاء مصحوب بالحزن).
حديثي هنا، سيكون عن بكاءٍ غريب، له مذاقه ودموعه المختلفة عن أي بكاء آخر، فهو بكاء لا يخرج في صورة مادية تمثلها الدموع، بل يظل على شكل تساؤلات حادة يخرجها الذهن نتيجة ألمه الشديد.
نعم إنه بكاءي على أوراق وأغلفة الكتب!
من نعم الله وآلاءه الجزيلة أن وهبني محبة القراءة، وحببني إليها، حتى صارت معشوقتي الأولى والأخيرة، والتي كنت أمضي فيها ساعاتي بلا ملل أو كلل مستمعاً بكل دقيقة أقضيها قارئاً للكتب.
منذ أن كنت صغيراً وأنا أتنقل بين الكتب كما تتحرك النحلة وتطير في البساتين، وتمر بين أنواع الزهور المختلفة ألوانها وروائحها.
كبرت ونموت، وكانت القراءة تنمو معي، وتتطور، وازداد حبي لها مع الأيام والسنوات.
وجدت القليل من الأصدقاء أصحاب الاهتمام المشترك (القراءة) وحاولت الاستفادة منهم، رغم أن بيئتي المحيطة بي (أقصد أقراني ومن شاكلهم) كانت فقيرة وجافة من القراءة إلا بعض الواحات التي جف بعضها أو لم أهتدِ إليها حتى الآن.
ومع هذا المخزون الكبير الذي قرأته واطلعت عليه، كنت أحاول أن أنتج وأخرج زكاة قراءتي لأنفع به النفس والناس معاً، وحاولت قليلاً، وحققت نجاحاً جيداً في ذلك.
دخلت قبل فترة إلى موقع goodreads، ليساعدني في ترتيب الكتب التي قد قرأتها واستفدت منها، وكذلك لأحاول تلخيص رؤيتي للكتب هناك.
وجدت بعض الكتب التي عشت في ظلالها، وجنيت من ثمارها الكثير، فغمرتني ابتسامة واسعة وعريضة، وكانت تعبر عن السعادة التي تملؤني وأنا أرى تلك الكتب الجميلة النافعةـ وأحاول تلخيصها.
ما أن بدأت بالكتاب الأول محاولاً التلخيص، حتى أغلقت علي الكلمات أبواب كنوزها، وضاق ذهني بعد أن كان واسعاً، وضاق تبعاً لذلك صدري.
لقد غمرتني حالةٌ من الدهشة والسعادة، تزاحمها حالة سلبية من الصدمة والألم الداخلي.
وجدت أن كثيراً من الناس قد سبقوني لتلك الينابيع الصافية والنقية، واستفادوا منها، واستطاعوا أن يستخلصوا الفائدة الكبرى منها، وأن يلخصوا فكرة الكاتب الأساسية.
بينما حاولت أنا صياغة رؤيتي، فوجدت أن الكلمات البليغات قد هربت مني وولّت، وكذلك الأفكار قد ابتعدت تماماً، فلم أستطع إعطاء رؤية مفيدة وجديدة لمن سيتابع صفحة الكاتب، سوى انطباعات شخصية.
أيعقل بعد أن قرأت هذه الكتب واستفدت منها وأثرت إيجابياً في حياتي، أنني لا أستطيع تلخيص فكرتها أو إعطاء نبذة يسيرة عنها؟!
انتقلت إلى كتاب آخر، فاستنسخت الصدمة الأولى نفسها، وبشكل مختلف قليلاً بحجم اختلاف غلاف الكتاب الأول عن الثاني...
وبعد جولة سريعة على بعض الكتب التي استفدت منها، خرجت وفي القلب غصةٌ وألم..
وبدأ ذهني بالبكاء وقتها!
نعم كان ذهني يبكي، لأنه استفاد من هذه المعلومات وحبسها في مساحته الضيقة، ولم يخرجها للناس فيستفد أكثر منها..
وجابهتني أسئلة قوية كانت مثل ضربات المطارق الحديدية ...
هل أنا نحلةٌ جنت الرحيق من كل هذه الورود ومع ذلك بخلت وضنّت على الناس بإنتاج العسل؟
لماذا أكون مستهلكاً (فكرياً) ولا أكون منتجاً؟
متى سأخرج زكاة الفكر والعلم الذي تعلمته؟
كم هو مقدار مخرجاتي من الفائدة الفكرية والعلمية؟
دعوت الله وقتها أن يرزقني العلم النافع الصالح، وأن يهديني إلى طريقه المستقيم القويم، وأن يجعلني نافعاً للناس وناصراً لدينه.
وانطبعت صورة الحديث النبوي في ذهني بعد ذلك (والذي لا أحفظه جيداً للأسف، واضطررت لقراءته من الكتب مرة أخرى):
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) [رواه البخاري]
ولكنني لا أزال أحمل الأمل الكبير برغم الألم العظيم الموجود، وأنا مؤملٌ بالله خيراً، فهو مولاي وعليه توكلت وإليه أنيب..
لن أطيل البكاء، فبمقدار ما ننظر للماضي الأسود، بمقدار ما تسوّد وتُشوّش الرؤية للمستقبل
لن أطيل البكاء، لأنني واثقٌ برب السماء، وأن الله لن يضيع عبداً دعاه..
إن شاء الله سيفتح المستقبل أذرعته لي، حتى وإن كان الحاضر يجلدني بسياطه المؤلمة..
بداية إشراقة الشمعة احتراقةٌ ألهبت فتيلها، ثم صارت نوراً يضيء الدرب للضائعين والتائهين..
اللهم إني أسألك أن ترزقني حب العلم النافع وأن تجعلني من النافعين والمصلحين ..
اللهم اغفر لي وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات..
الخميس 26/5/1435هـ 
          27/3/2014م 

السبت، 22 فبراير 2014

كيف نجذب الملل إلى حياتنا؟

***كيف نجذب الملل إلى حياتنا؟***
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد له وحده، وصلاته وسلامه الدائمين على نبيه محمد بن عبدالله وآله وصحبه أهل المكارم.
أما بعد.فإن الشعور بالملل والسأم هو طريقٌ يجر نحو الهموم القاتلة، والتي تمرض النفس والفكر معًا، فمرض النفس لا يشفيه حقنة أو قرص دواء، وهو يتغلل داخل النفس، فيمنعها النوم، ويمنعها من اتخاذ القرار المناسب والتفكير فيه، وقد يمنعها من الأكل والشراب.
وبحكم أن الملل تجربة مارسها بعض الناس، وظلت كيفيتها غائبةً عن الأكثرين، وبحكم أن الشكاوى تكثر من الملل مع قرب الإجازات، وأثناء الدوامات، وفي كل الأوقات.
فقد أحببت أن أكتب في هذه الخاطرة بعض الأسباب التي تجعلنا نقع في الملل، بل نغوص في أعماقه، ولقد استقيت هذه الأسباب من تجربة شخصية، ومن عشرات التجارب للآخرين.
والحق أن كثيرًا من الناس -برأيي- يتجهون نحو الملل عالمين بذلك أم لم يعلموا، مريدين ذلك أم لم يريدوا، إما بسبب أنهم يعلمون أنهم سيصلون إلى الملل بتصرفاتهم، أو أنهم يسيرون في الطريق نحو المجهول، كسفينةٍ تخبط عشواء في البحار لا تدري أين تلقي بها الأمواج.
فإن كنت ممن يريد -فعلاً- أن يجرب الملل ويتعمق فيه، فأتمنى أن تقرأ هذه المقالة، وتشاركني رأيك فيها أيضًا إن كنت من أصحاب التجربة والخبرة في الشعور بالملل والسأم.
وأرجو أن تركز ناظريك على كل خطوة أذكرها لك، فإن الخطوات نحو الشعور بالملل ليست كثيرة، وبعضها ممتع ومسلٍ. لذا فلا تتذمر من طول الطريق، إنه مسافة قصيرة حتى تصل إلى الملل والسأم.
والآن هلموا لنرى ما هي الخطوات المؤدية نحو الملل؟
1-لا تغير عاداتك القديمة ومارسها باستمرار. عاداتك التي تصنعها بيدك هي من إبداع عظيم يستحق أن تحتفي به كل يوم، وأن يكون جزءاً من برنامجك اليومي، كيف لا! وأنت قد أمضيت وقتًا طويلًا وبذلت جهدًا ليس باليسير حتى تعتاد هذه العادات وتروض نفسك على قبولها.
أنصحك ألا تبتكر عادات جديدة، ابق على نفس عاداتك القديمة حتى ولو كانت سيئة، فليس بالإمكان أحسن مما كان، وإن الوقت الطويل الذي ستقضيه أثناء ابتكار وخلق عادة جديدة، لهو أجدر أن تجعله في تعميق وغرس عادتك القديمة باستمرار.
هذه الخطوة الأولى من خطوات الوصول إلى الملل، قد تبدو صعبةً في البداية، لكنها تصبح لينةً سهلة ميسورة مع التكرار.
2-لا تطور مهاراتك. مارس الشيء كما تتصوره ولا تحاول أن تطوره أو تغيره للأفضل، فالبقاء (مثلاً) داخل القرية الصغيرة التي اعتدتها وحفظت شوارعها وجدرانها، خيرٌ من شق الطريق والمضي نحو مدينة جديدة سواءً كان ذلك لسياحةٍ أم لعلمٍ أم للعلاج.مثال آخر: أنت قد اعتدت على تصور أن النت وسيلة للتسلية فقط، وليس للوصول إلى المعلومات. فاليوتيوب (YouTube) –مثلًا- موقعٌ يضم ملايين مقاطع الفيديو.
ولكنك ستظل تستعمله لمقاطع التسلية والكرة، والمسلسلات، ولن تبحث فيه عن مقطع مهم يفيدك في تخصصك العلمي، أو يعطيك معلومة جديدة لم تكن لتدركها من قبل، أو يعلمك مهارة في الحاسب.
وهكذا في أي شأن من شؤون الحياة، لا تتطور وتتغير، بل ابق كما أنت تجرب الأمر على ما هو عليه، وتخشى من عواقب المغامرة.
3-لا تخطط أو تجدول وقتك، فوقتك واسعٌ جدًا، ويمكنك أن تنفذ فيه عشرات النشاطات، لماذا تقيده وتجعله محصوراً بين أعمدة وصفوف؟ إن صورتك الذهنية عن الوقت ليست هي أن الوقت سيلٌ متدفقٌ إذا لم تضبطه وتتحكم به، فإنه يخرب البلاد ويقتل العباد. بل صورة الوقت الذهنية أنه كالحيوان البري، إذا حصرته في قفصه، فإنه –هكذا- ممنوع ومحبوس عن الإبداع.
في حين لو كسرت أغلاله وجدرانه المحيطة، وألقيته في ذلك الأفق الفسيح؛ فإنه يبدع ويعمل وينشط.
4-لا تقرأ، فإنما القراءة للمناهج الدراسية وحسب، وما غير ذلك فهو غير مهم. يجب أن تقضي وقتك في قراءة رسائل الواتساب الطويلة والتي تنشر الشائعات (الأخبار المكذوبة)، والمنكرات (السب والشتم والغيبة وغيرها) والمغالطات (المعلومات الخاطئة)، وتمضي وقتك في قراءة أخبار اللاعبين والفنّانين وغيرهم، ويجب –أيضًا- أن تتقاعس عن قراءة كل ما ينفعك أو يزيد علمك.
وبالنسبة للقرآن، فأنت ستقرأه بين الجمعة والجمعة، تفتح المصحف على سورة الكهف، وتكرها كرًا وتهذها هذاً، وتقرأها من غير تدبر، ثم تختم في رمضان الختمة السنوية، وهكذا فأنت لا تستطيع الثبات على وردٍ يومي من قراءة القرآن لأنك مشغولٌ جدًا، فلا تستطيع أن تتنفس من زحمة الأشغال وتدفقها.
5-أدمن وسائل التواصل الاجتماعي، فعالم التواصل الاجتماعي جميلٌ جدًا، وهو شبيهٌ بالأحلام التي نعيشها، والتي ليس لها حد تتناهى إليه، ونتواصل فيه مع من نشاء، حتى لو فرّقتنا المسافات وكان السن حاجزًا بيننا.
هذه الخطوة الخامسة من خطوات الوصول إلى الملل. وهي من أهم الخطوات وأعظمها خطرًا، وذلك لأنها تقربك إلى الملل بدرجةٍ لم تكن عند الأوائل، فهي وسيلة حديثة مميزة، ويجب أن تُستَثمر جيدًا في رحلة الوصول إلى الملل.اغرق حتى النخاع في التواصل الاجتماعي، وحاول أن تكون أخطبوطًا ذا أذرعةٍ ممتدة في كل مكان، وفي كل قُطرٍ ومصرٍ. لك وجودٌ حقيقيٌ في ساحات الانترنت، ووهميٌ في واقع الحياة. وكلما زادت ساعات ولوجك في مواقع التواصل الاجتماعي، اقتربت أكثر من الوصول إلى الملل وتحقيق أعلى الدرجات في السأم والكآبة.
ولا تخف، فستجد الكثير من البطّالين والعاطلين، ممن ينتظرونك على قارعة رصيف النت. ستجد العشرات، بل المئات من التائهين. اقترن مع أحدهم، ووسع علاقاتك مع الآخرين.
6-أجِّل مهامّك وواجباتك. خدعوك فقالوا: ((لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد))، فلماذا النهي عن تأجيل أعمالنا ما دمنا قادرين على تنفيذها لاحقًا؟ لماذا يجب على الطالب أن يذاكر الآن لاختبار الغد ما دام يستطيع السهر لاحقًا للمذاكرة؟ لماذا نشغل أنفسنا باللحظة البعيدة؟ كرّس جهدك ونظمه لتراكم الواجبات لاحقًا. فأنت تمتلك قدرة هائلة وكبيرة على تنفيذ أكبر قدر من الواجبات في مدة زمنية قصيرة، بدلًا من إنهائها في وقتها. وإن استطعت تأجيل واجبك حتى الوقت بدل الضائع فهذا أفضل وأفضل.
إنك لن تستطيع لجم نفسك في هذه الدقائق القليلة عن تصفح النت، أو ممارسة هوايتك، فالأفضل أن تنتهي وتلتهي بهوايتك، ثم تبدأ بعدها بعملك. ولا بأس في ذلك حتى وإن تأخرت البداية قليلًا.وهذه الخطوة السادسة ذات شأنٍ عظيمٍ في الوصول السريع نحو الملل، فلا تستهن بها.
7-ابحث عن أصدقاء يحملون نفس الاهتمام. لست أنت الوحيد الذي يريد البحث عن الملل والوصول إليه، هناك المئات بل الآلاف سيبدؤون رحلتهم عمّا قريب، كن رفيقاً لهم في سفرهم، فوجهتكم واحدة، وصل إليها ملايين البشر من قبل، ولا تزال الطائرات تنطلق إلى هناك، وتبحر السفن، وتتحرك السيارات والدواب بأشكالها وألوانها تحمل المسافرين نحو الملل.ابحث عمّن يرافقك، ويشد أزرك، ويقويك وأنت راحلٌ إلى الملل متوجهٌ إليه. ابحث عن شخصٍ يؤنسك طوال الطريق. هذه الخطوة –باختصارٍ- تعني (ابحث عن الفارغين والعاطلين) لأن هؤلاء غالبًا أصحاب تجربة وخبرة مع الملل، وهم خير دليل يوصلك نحو الملل، وابتعد ما استطعت عن الناجحين، لأن هؤلاء سيبعدونك عن الملل.
8-تذكر ماضيك السعيد وابتعد عن [رؤية] واقعك. حاول دائمًا استدعاء لحظات الماضي عندما تواجه تغييرًا محتومًا، وابتعد عن رؤية الواقع الذي أنت فيه. البس نظارةً سوداء تحجبك عن محاسن واقعك، حتى تكثر التشكي والتسخط، وتمني العودة للماضي. فإذا انتقلت –مثلًا- من حيٍ قديم إلى حيٍ آخر، فتذكر باستمرار أصدقائك هناك، واجعلهم شغلك الشاغل، وانظر لحيك الجديد على أنه ابتلاء ومصيبة، ولا تحاول أن تستكشفه أو تنظر للمحاسن التي تميزه عن حيك السابق.
سيقطعك استدعاء لحظات الماضي -التي لن تعود- عن حاضرك، ومن ثمَّ فإنك ستحيا في أوهام تلد آلامًا وتقتل آمالًا.وسيغيب عن بالك وقتها، أن واقعك سيصير يومًا ما ماضيًا لك، فهل تريد أن تجعله مثمرًا أم مقحلاً؟!
هذه الخطوات -باختصارٍ- هي زبدة الموضوع وخلاصته، وهي سهلة لمن وُفق إليها. وستلاحظ أنك تنسجم معها بسرعة، وستصل إلى الملل، بل -أبلغ من ذلك- وستجد أنك صرت شاكيًا من الملل.
ولست –بالطبع- أول من يصل إلى الملل، فقد سبقك المئات والآلاف إليه، على اختلاف سرعتهم وجهدهم.ستداهمك الأحزان والهموم –بعد الملل الطويل- وستجد أنك قد تأخرت في حياتك، وأنك قد اعتدت الفشل وألفته.
وستجد –بعد الملل الطويل- أن بعض أقرانك -ممّن كنت تلعب معهم وتمرح- قد سبقوك وتفوقوا عليك.
وستجد –بعد الملل الطويل- أن علاقتك مع الله قد فسدت وساءت، وأنك بدأت تغفل تماماً عن ذكر الله وعبادته.
وستجد -بعد كل هذا- أن عمرك قد ضاع وأنت لم تحقق شيئاً مفيداً في حياتك.
وستدرك أخيرًا أن فشلك في إدارة وقتك، قد أنتج لك المتاعب والآلام، والضغوط النفسية المتكررة.وكل ما ذكرته من خطوات هي واقعٌ عمليٌ نراه ونحسه في حياتنا وحياة الآخرين.
فهل آن لنا أن ننزجر ونتوقف عن قتل وقتنا بهذه الطريقة؟وهل آن لنا أن ندرك أننا مسؤلون أمام الله عن وقتنا كيف قضيناه واستثمرناه؟ أفي باطلٍ بنيناه وشيّدناه؟ أم في الحق زرعناه؟ أعاننا الله وإياكم على استثمار أوقاتكم في كل خيرٍ ونفع.

البراء بن محمد
يوم الأربعاء 19/4/1435هـ
19/2/2014م بين الظهيرة والعصر.
الرياض

الأربعاء، 12 فبراير 2014

بين لحظة التغيير والتوبة

                                                         (بين لحظة التغيير والتوبة) 
                                                         بسم الله الرحمن الرحيم
 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الكريم.
أما بعد..
التوبة إلى الله والعودة إلى صراطه المستقيم موضوع مهم تناوله القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام كثيرًا، وكذلك أورده العلماء في مصنفاتهم، بل صنف بعض العلماء كتبًا خاصة في ذلك.
وسأحاول –في هذه المقالة السريعة- النظر إلى التوبة من منظور مختلف قليلاً وربطها بواقعنا المعاصر، لأن الدين مرتبط بالحياة لا ينفك عنها بحالٍ من الأحوال.
والوعظ والتذكير بالله يكون أقوى أثرًا ومفعولًا إذا أحسن رُبِطه بحياة الناس، فيُذكّرونَّ أن حياتهم الدنيا ليست بمستقيمة –أصلًا- من غير اتباع سنن الله وهديه.
وعندما ينحرف الإنسان عن مساره الصحيح الذي كان يسير فيه، فإنه يحتاج إلى علامات وإشارات تذكره بأنه يسير في المسار الخطأ، وكلما ابتعد الشخص عن مساره فإن وصوله إلى هدفه وغايته يتباعد طرديًا مع كل متر يقطعه بعيدًا عن مساره.
ومع ذلك كله فإمكانية العودة وتصحيح المسار موجودة، ويُبذل لأجلها مجهودٌ كبير، ويُقضى لإدراكها وقتٌ طويل، وهو في النهاية ضريبة الإهمال والتفريط.
ومن رحمة الله بعباده أنه يسّر لهم العودة وتصحيح أخطاءهم مهما كانت جسيمة. وطريق ذلك موجود ميسور وإن جهله الإنسان أو تجاهله، وهو (أي: الطريق) يمتد ويوازي الإنسان حتى ينتهي بهلاكه ووفاته، وحينها ينتهي الطريق.
التغيير الحقيقي والإيجابي في حياة الإنسان يبدأ خلال أي مرحلة عمرية وليس محددًا بزمان، بل هي لحظة تشتعل فيها نار الحماسة والإرادة ويصاحبها وقود الإصرار والعمل، ويقودها نور الأمل.
ومتى تلاقت الظروف المناسبة فإن التفاعل حادثٌ ونتيجته خيرٌ وبركة -بإذن الله-.
وأول ظرف من ظروف التغيير هو الإدراك، الإدراك الذي يكون غائباً عن الذهن لفترة -طالت هذه الفترة أم قصرت- ويحل محله الغفلة والشرود، فيقع الشخص في الأخطاء ساهيًا لاهيًا ويبتعد عن هدفه غيرَ مبصرٍ لما يجري حوله.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن))[1].
ولهذا الحديث دلالته اللطيفة، وهي أن المؤمن يغيب عنه إيمانه بالله لفترة أثناء مزاولة الخطيئة، ويغلب صوت نفسه الأمارة بالسوء على مشاعره وإيمانه الصادق بالله، فينقاد لشهوته ويغيب عنه فداحة الخطأ الذي قام به.
وهكذا فإن أي شخص انشغل قليلًا بالملهيات على جانب الطريق نحو هدفه، فإنه يتأخر ويتقهقر عن الوصول لمبتغاه، وكل دقيقة يمضيها في بعض هذه المشغلات، سيقضي ضعفها أثناء الطريق حتى يعوّض النقص الموجود.
وحتى يعود هذا الإدراك فيجب أن يقوم أصل العزيمة والإرادة في النفس ولو كان ضعيفًا، فإن النار أصلها شرارة صغيرة تكبر وتكبر، حتى تكون شعلةً ولهيبًا ينفث دخانه في الآفاق.
وحتى يعود الإدراك فيجب أن يكون الهدف نصبَ العين، وقبلتها في كل لحظة تطرف فيها العين. فيكون الهدف كالمنارة الكبيرة التي ترشد السفن في الليل، أو كبقعة الضوء البعيدة في ذلك النفق الطويل المظلم، فمهما تأخر عنها الشخص أو تشاغل، فإنه لن ينساها تمامًا لأنها نجاته.
الظرف الثاني: وضوح الرؤية
عندما يكون هدف الشخص واضحًا ومحددًا فإنه سيبني حياته على أساس هذا الهدف، وسيبذل وقته وجهده وفكره لأجل هذا الهدف، وسيتناسى حينها تلك المشغلات على جانب الطريق والتي ستحرفه عن مساره وتؤدي إلى هلاكه.
ومن فضل الله على عباده أنه وضح لهم الهدف من توبتهم، وأن التوبة هي صلاح دينهم ودنياهم، وأخبرهم سبحانه بعواقبها الجميلة.
فقال الله في سورة التحريم: ((يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّ‍َٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٨
)).
والآيات والأحاديث كثيرة في عواقب التوبة الحسنة والجميلة، لذا فإنك تجد أن المؤمنين مهما أخطأوا فإنهم يعودون ويؤوبون إلى الله ويواصلون المسير في طريقهم المستقيم.
وفي ذلك يقول الله: ((وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٣٥))[آل عمران-135].
وقال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: ((إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ ٢٠١)).
فلما كان هدف وغاية المؤمنين واضحين، كان ذلك كافيًاً لإيقاظهم متى ما توغلوا في الغفلة والنسيان.
وهكذا فإن أي هدف واضحٍ ومحددٍ للإنسان، يكون منبهًا له إن استغرق في نومه وغفلته.
الظرف الثالث: وجود فرصة التغيير
وهذا الظرف موجود غالباً في حياتنا حتى وإن لم ندركه جيدًا، وقد يسر الله لعباده فرصة الإنابة والعودة إليه طوال العمر من غير اشتراط زمن محدد أو مكان محدد.
ففي الحديث النبوي المشهور: ((إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر))[2]. وفي الحديث الآخر: ((ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها))[3].
وهكذا تجد أن عبارات الرحمة والمغفرة تُرفع لأولئك الذين غاصوا إلى ركبهم في مستنقع الجهل والضلالة، تُرفع لهم حتى يرتقوا بأرواحهم الجميلة التي لا ينبغي أن تدنسها الذنوب والمعاصي.
بل ورد في حديثٍ آخر أن التوبة هي فرصة للتغيير تتجدد يوميًا صباح مساء، وأن الإنسان يستطيع أن يتغير في أي لحظة يريدها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))[4].
ولو لاحظت أن فرص الحياة تتغير وتتجدد، فإن أغلق الله عز وجل عنّا بابًا -لسبب لا نعرفه- فإنه سيفتح أبواباً أخرى من الرزق والعلم لم تكن مفتوحة لنا من قبل.
 صحيح أن كثيرًا من الفرص إن ذهبت فلن تعود، وهذا درس مهم يجب أن نستصحبه معنا في كل تجربة نمر بها. ولكن في المقابل فإن رحلة الحياة لا تنتهي بموت فرصة أو ذهابها، فهناك مئات الفرص الجديدة التي تولد وتنبت.
ونظرة صغيرة إلى قصص الناجحين في الحياة تنبيك عمّا تقرر سابقًا، فلم يفلح بعض الناس في الدراسة أو التجارة أو طلب العلم ولكنه نجح في مجالات أخرى ومتعددة.
وهذا يذكرني بقول الشاعر اللطيف: إذا لم تستطع أمراً فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع
متى ما اجتمعت الظروف الثلاثة المذكورة آنفًا (الإدراك-وضوح الرؤية-وجود فرصة التغيير) فإن التغيير الإيجابي سينبت ويترعرع بإذن الله، ويخلق شجرةً جميلةً مورقة رائعة ظليلة.
وهذه الظروف السابقة مترابطة ومتشابكة -كما ترى- فكل ظرف يقود للآخر، وتبقى مسألة خلطها جميعاً وتفعيلها هي دورك ومهمتك حتى تبدأ التغيير الإيجابي 
وخلاصة الأمر أن تدبر التوبة ومعانيها يُنشئ لنا صورة جميلة في واقعنا وحياتنا، تقودنا إلى النجاح الكبير في الدنيا، ثم النجاح الأعظم والغاية الكبرى وهي نيل رضا الله سبحانه وتعالى والسكنى في جنته الخالدة.
اللهم جد علينا بعفوك وحلمك، وارزقنا القوة والعزيمة حتى نحقق أهدافنا وغاياتنا.




[1] رواه البخاري (5578)
[2] رواه الترمذي (3537) وقال: حديث حسن غريب
[3] رواه أبو داود (2479) وصححه الألباني.
[4] رواه مسلم (2759)
انتهى
البراء بن محمد (أبو مالك)
الأربعاء 12/4/1435هـ 
الموافق 12/2/2014م 
بين الظهر والعصر
مدينة الرياض..