السبت، 5 أبريل 2014

انتظار لن ينتهي (الجزء الثاني)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين،
أما بعد، فهذا الجزء الثاني من (انتظار لن ينتهي).
وكنت قد طرحت في الجزء الأول مقدمةً عن انتظار المتغيرات الخارجية وتأثيرها على الواقع، وكيف أن كثيراً من الناس ينتظرون قدوم التغيير من الخارج.
وفي هذا الجزء أتحدث عن الزمن وتأثيره علينا، وكذلك عن خصائص وسمات منتظري التغيير من الخارج.
*الزمن
يكاد يجمع البشر ويتفقون (على كثرة اختلافهم وتفرقهم) على أن الإنسان له بداية وله نهاية، ويعيش عمراً محدداً، لا يزيده أو ينقصه.
فنستطيع تمثيل حياة الإنسان بهذا الخط المستقيم
البداية------------------------------------------------------------------------------------------------النهاية
يتحرك الإنسان في حياته منطلقاً من البداية حتى يصل إلى النهاية، وحينها تنتهي حياته وأعماله.
نقول إن الزمن خط متحرك، بدأ ونشأ من نقطة بعيدة مجهولة لا نستطيع تحديدها، ولا يزال متحركاً بسرعته الثابتة، ما لم يطرأ عليه تغيير في ماهيته.
وقد يسر الله علينا، وأرشدنا إلى وسائل ووحدات نستطيع بها تقسيم الزمن كـ(الثانية-الدقيقة-الساعة-اليوم-....إلخ).
وعموماً هناك جدال طويل حول تعريف الزمن وماهيته، ومعركة كبيرة بين الفلاسفة والمفكرين، وقد لخص العالم المشهور إتيين كلاين في كتابه (هل الزمن موجود?)  كثيراً من المفاهيم والرؤى حول الزمن. وهذا الكتاب ترجمه د.فريد الزاهي إلى العربية
...
(المستقبل)---------------------------------------(الحاضر)-------------------------------------------(الماضي)
حياة الإنسان دائرة بين هذه المحطات الثلاث، فمنذ لحظة البداية والخلق، كان عمرنا يتمثل لنا مستقبلاً بعيداً عالياً كقمة الجبل المرتفعة، فإذا به يتقارب فيصبح حاضراً، نعيشه ونحيا في لحظاته، ثم يتباعد فيصير ماضياً سحيقاً..
 المستقبل، لا نستطيع عيش لحظاته لأنه غائبٌ عنا، فنحن لا نستطيع أن نتجاوز الدقيقة التي نحن فيها لنمسك بدقيقة الغد، وأما الماضي فقد أفلت من أيدينا، فلا نستطيع مطاردته وإلا فإن اللحظة الحاضرة ستضيع أيضاً.
ولذلك قال أحدهم:
"ما مضى فات والمؤمل غائبٌ *** ولك الساعة التي أنت فيها"
لحظة الفرح ولحظة الحزن متساويتان في السرعة، ودقيقة الضحك ودقيقة البكاء، تتحركان بنفس التسارع.
إن الساعة التي تقضيها في قاعة الاختبار مساويةٌ في المقدار للساعة التي تقضيها في لعب الكرة، نعم إن شعورك الداخلي بالوقت قد يجعله ثقيلاً عليك أو يجعله يمرعليك كمر السحاب.
ومع ذلك فلن تصبح ساعة لعب الكرة 30 دقيقة، وتصبح ساعة أداء الامتحان 80 دقيقة، إنهما متساويتان.
من ذلك أستطيع استنتاج أن الزمن محايد، فلا تستطيع وصفه بالخير أو بالشر، إنه يمضي بصمت وحيادية شديدة، أنت من يلوّنه ويصبغه بما تشاء من أعمال.
عمرك يمضي وينقضي سواءً عملت فيه أم لم تعمل، إن مثلك ومثل العمر كشخصٍ يكتب في دفتر كبير، لا يعلم عدد صفحاته، ولكنه يكتب باستمرار، سيكتب أي شيءٍ قام به حتى الانتظار المجرد سيدونه، ثم يقلب الصفحة، ويتلوها بصفحة أخرى،ولكنه لا يعلم متى ستكون الصفحة الأخيرة التي يطوي فيها كتابه.
وفي النهاية، ستسأل عن كل ما سطّرته يداك في هذا الكتاب، وفي ذلك يقول الله: ((وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً*اقرأ كتابتك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)).
الخلاصة:
الزمن يجري  رغماً عنك، وهو محايد في سيره، ومعتدل في سرعته، فلا يزيد ولا ينقص (ما لم يتغير نظامه)، فبالتالي انتظار قدوم التغيير مع تغير السنين لن يأتي بنتيجة مطلقاً.
لذا فسب الزمان وشتمه لن يعود علينا بخير أصلاً، لأننا نحن من يجعل زماننا طيباً مباركاً أو فاسداً ظالماً.
"نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا"
إن وجودك الآن أو قبل قرنٍ من الزمان، لا يعني شيئاً بحد ذاته، ولا يغير فيك شيئاً، وأنت لن تتغير إلا مع متغيرات ذلك الزمان، وليس بمرور الزمن المجرد.
مثال حتى تتضح الصورة، لو قدّر لنا واستطعنا أن نختطف أحد أجدادنا الذين عاشوا قبل 200 سنة، ثم تقدمنا به نحو زماننا وقذفناه في تلك المدينة الصناعية الكبيرة، كيف سيتصرف وقتها؟ سيتصرف كما كان يتصرف هو في زمانه، ولن يتصرف كما يتصرف الناس بعد 200 سنة.
وبالمثل لو قذفوك نحو غابة نائية قبل أكثر من 500 سنة، فإنك ستضجر وتمل بسرعة، ولن تعرف كيف تتعامل مع الحياة هناك بلا هاتف نقال أو حاسوب، وستتصرف كما تتصرف في زمانك هذا.
 والسبب أن مرور السنين وحده لا يغير في الإنسان شيئاً، ولكن يساعد في تغييره العوامل الخارجية (تغير المكان-تغير الناس وعاداتهم-تغير الجو) وكذلك العوامل الداخلية (تغير شكل الجسم والعقل بعد مرور السنين).
------------
حسناً...بعد بحث مسألة الزمن وتأثيره، لنرَ ما هي خصائص وصفات الأشخاص الذين ينتظرون التغيير من الخارج..وذلك قبل انتقاد هذا المنهج.
هناك سبع خصالٍ تميز المنتظرين للتغيير من الخارج، وسيماهم في أعمالهم وأقوالهم، وقد توجد لديهم صفات سلبية أكثر.
1-التشبه بالآلة:
الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج ويترقبه هو في حقيقة الحال وعاقبة المآل، آلةٌ تنتظر فعل الفاعلين حتى تتحرك أو تعمل.
إنه مسمار ينتظر ضربة المطرقة، وينتظر قبلها أن يضعه النجار في المكان المناسب.
وهو مسننٌ في بطن المحرك أو الساعة ينتظر حركة الآخرين قبل أن يبدأ بالدوران والتحرك.
كل الآلات التي يصنعها الإنسان تتسم بأنها قوة لا تتحرك إلا بمساندة فاعل، وغير ذلك فإنها تبقى عديمة الفائدة والحركة.
فالذي ينتظر التغيير من الخارج صار مثل الآلات، بل صار أسوأ وأقبح منها، لأنه يستطيع التغيير ومع ذلك فإنه عطّل نفسه بإرادته.
ومكمن الخطورة أن هذه الآلات قابلة للدمار والعطل والخلل، بمجرد إساءة المتحكم بها، وهي بالطبع ليس لها إرادة.
فالشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج ويبني عليه آماله وأمنياته، هو منتظرٌ للتغيير المجهول الذي قد يغيره نحو الأفضل أو الأسوأ.
2-حفظ الحركة (الطاقة):
الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج، هو من أكثر الناس حفاظاً على طاقته، فهو لا يغيرها أو ينتج منها قوةً فعالة، بل يترك هذه الطاقة خاملةً لديه، تنتظر التشغيل من الآخرين.
ورغم أنه الأعرف والأدرى بكيفية استثمار طاقته، إلا أنه يتركها هكذا لعل أحدهم يتبرع ويضغط الزر الأحمر، أو يحفزه للعمل.
وهكذا إما أن تصبح الطاقة في عمل وإنتاج (سواءً كان في الخير أم في الشر) أو تبقى خاملة لفترة، ثم تبدأ بالتلاشي شيئاً فشيئاً.
3-فقدان التحكم:
أصحاب التغيير من الخارج، ليس لديهم استقلالية في اتخاذ قراراتهم وآرائهم، وذلك لأنهم لا يملكون مفتاح ذلك أصلاً، وهو التغيير الداخلي، فالشخص العاجز عن التفكير السليم في مصلحته، والشخص العاجز عن إدارة وقته، هو من أضعف الناس قدرةً على اتخاذ القرار السليم.
وبسبب ذلك، فإنه سينتظر متى سيقرر أهله الزواج، وسينتظر أصدقائه حتى يقرروا له التخصص المناسب، وهكذا، وهو يكون في موضع الاختيار الجبري، لأنه لا يملك خيارات أخرى أو بالأصح لم يفكر فيها أصلاً.
وبالتالي، فإن حياة أي شخص ينتظر التغيير من الخارج ستخرج من ملكه إلى ملك غيره، وسيستمتع بها غيره أكثر منه.
4-فقدان الحرية:
الشخص الذي ينتظر التغيير الخارج، هو شخص غير حر، لأنه قيّد نفسه، وكبّل فكره، فلا يستطيع أن يتحرك في مسارات أخرى أو يشق طرقاً مختلفة، وذلك بسبب العبودية التي سربل نفسه بها.
إن الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج لا يملك اتخاذ قراره بنفسه، وهذا أكبر مطعن في حريته، لأن الحرية إرادة وقدرة، ومتى ما سقطت الإرادة تهاوى بنيان الحرية.
ولذلك فإن العبد (أي عبد) ينتظر التغيير القاسي حتى يتغير من نفسه، ويستقيم، ويواصل في الطريق المستقيم.
وفي ذلك يقول أحدهم:
العبد يُقرع بالعصا *** والحر تكفيه الملامة
إن مجرد وجود لافتة ضوئية على جانب الطريق، لكفيلة بأن تهدئ من سرعة بعض المبالغين في سرعتهم، ولكنها غير كفيلة بذلك بالنسبة لكثيرٍ من المتهورين الذي ينتظرون الهلكة أو الإصابة البليغة حتى يتعظوا ويتوقفوا.
5-الجمود:
قلنا أن الشخص الذي ينتظر التغيير من الخارج هو آلة تنتظر الفعل من الخارج، وهي في نفس الوقت، جمادٌ لا يتحرك.
إنه كشخص أراد التوجه نحو مدينةٍ ما فركب سيارته، وأدار المحرك، ولكنه توقف بعد أمتار قليلة، لأنه نسي الوجهة، أو ضل الطريق، أو ليس لديه خريطة، أو يريد تعبئة الوقود.
ومع كل تلك الظروف الصعبة، فإنه يسند مقعده للوراء، ويغفو غفوةً طويلة، عسى أن يأتي أحد أهل الخير ليرشده ويمسك بيده، ويوصله نحو الهدف.
ما أصعب أن يتحول الإنسان من كتلة روحية متحركة إلى مادة جامدة صلبة لا يستفيد منها الناس!
والإنسان جزء كبير من الحياة، فماذا لو توقفت هذه الطاقة الكبيرة من الحركة والعمل؟
من سيعمر الأرض ويسهل الحياة؟!
6-الخوف من التغيير:
أكثر الناس خوفاً من تغيير واقعهم هم الذين ينتظرون التغيير من الخارج، لأنهم يظنون ويعتقدون أن التغيير الداخلي له تكاليف كبيرة، وتبعاته ثقيلة، لذا فيتوقفون عن أي محاولة للإبداع أو التجديد، إلى أن يجبرهم الآخرون على ذلك.
وبسبب خوفهم هذا، فإنهم يتوقعون أن تبعات التغيير الخارجي أسهل بكثير من التغيير الداخلي، لذا يركنون إلى تغير الزمان والمكان.
إنهم يخافون من التغيير ولو كان خوفهم على حساب تحقيق أهدافهم، إنهم ينتظرون وجود الطريق السهلة الهيّنة واللينة.
وقد يتأخرون عن تحقيق أهدافهم حتى توافيهم المنيّة وهم في أدنى الدنيّة.
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
7-العشوائية:
بالطبع لن تجد شخصاً ينتظر التغيير من الخارج وهو صاحب خطة وهدف محدد وواضح، إنه يسير في الحياة متخبطاً كما يتخبط السكران وهو يمشي في الشارع، أو كورقة شجر تحركها الريح حيث شاءت.
إنه يسير بسيارته خبط عشواء، حتى يجد المسار الصحيح، وقد يعلق في حفرة، ولكنه لن يكلف نفسه عناء الخروج منها أو حتى شرف المحاولة.
إنه سيعمل يوماً وينام عشراً، يذاكر ساعة ويلعب ساعتين، يتخبط بين الإفراط والتفريط، بين الغلو والتساهل، وقد يموت دون الوصول إلى سبيل الاعتدال.

فهذه السبع خصال، هي خصال قاتلة ومدمرة، متى اجتمعت في أحدهم، فإنه قد انضم رسمياً إلى حزب "المنتظرين للتغيير من الخارج"
وباستقراء هذه السبع خصال، وتطبيقها نجد أن المئات بل الآلاف من الناس ينتظرون على رصيف الحياة، قدوم التغيير من الخارج.
فهل منهج التغيير من الخارج وانتظاره سليم ومجدي؟ 
وهل هناك آثار سلبية ومقيتة لانتظار التغيير من الخارج؟
هذا ما سنراه وندرسه في الجزء الثالث إن شاء الله...
والحمد لله رب العالمين
البراء بن محمد
ليلة الأحد 1435/6/6هـ
2014/4/6م