الأربعاء، 26 مارس 2014

بكاء على أوراق الكتب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين،
البكاء انفعال إنساني يدل -عادةً-على التأثر والتفاعل السلبي مع المواقف التي يمر بها الإنسان، والبكاء له دلالته القوية على الحزن العميق أو السطحي الموجود لدى الإنسان بسبب فقد عزيز أو خسارة مالٍ أو أي مصيبة دنيوية تمنح الحزن وتمنع السعد.
(هناك البكاء الذي يكون سببه الفرح وهذا لم أتطرق إليه هنا، لأن الغالب أن البكاء مصحوب بالحزن).
حديثي هنا، سيكون عن بكاءٍ غريب، له مذاقه ودموعه المختلفة عن أي بكاء آخر، فهو بكاء لا يخرج في صورة مادية تمثلها الدموع، بل يظل على شكل تساؤلات حادة يخرجها الذهن نتيجة ألمه الشديد.
نعم إنه بكاءي على أوراق وأغلفة الكتب!
من نعم الله وآلاءه الجزيلة أن وهبني محبة القراءة، وحببني إليها، حتى صارت معشوقتي الأولى والأخيرة، والتي كنت أمضي فيها ساعاتي بلا ملل أو كلل مستمعاً بكل دقيقة أقضيها قارئاً للكتب.
منذ أن كنت صغيراً وأنا أتنقل بين الكتب كما تتحرك النحلة وتطير في البساتين، وتمر بين أنواع الزهور المختلفة ألوانها وروائحها.
كبرت ونموت، وكانت القراءة تنمو معي، وتتطور، وازداد حبي لها مع الأيام والسنوات.
وجدت القليل من الأصدقاء أصحاب الاهتمام المشترك (القراءة) وحاولت الاستفادة منهم، رغم أن بيئتي المحيطة بي (أقصد أقراني ومن شاكلهم) كانت فقيرة وجافة من القراءة إلا بعض الواحات التي جف بعضها أو لم أهتدِ إليها حتى الآن.
ومع هذا المخزون الكبير الذي قرأته واطلعت عليه، كنت أحاول أن أنتج وأخرج زكاة قراءتي لأنفع به النفس والناس معاً، وحاولت قليلاً، وحققت نجاحاً جيداً في ذلك.
دخلت قبل فترة إلى موقع goodreads، ليساعدني في ترتيب الكتب التي قد قرأتها واستفدت منها، وكذلك لأحاول تلخيص رؤيتي للكتب هناك.
وجدت بعض الكتب التي عشت في ظلالها، وجنيت من ثمارها الكثير، فغمرتني ابتسامة واسعة وعريضة، وكانت تعبر عن السعادة التي تملؤني وأنا أرى تلك الكتب الجميلة النافعةـ وأحاول تلخيصها.
ما أن بدأت بالكتاب الأول محاولاً التلخيص، حتى أغلقت علي الكلمات أبواب كنوزها، وضاق ذهني بعد أن كان واسعاً، وضاق تبعاً لذلك صدري.
لقد غمرتني حالةٌ من الدهشة والسعادة، تزاحمها حالة سلبية من الصدمة والألم الداخلي.
وجدت أن كثيراً من الناس قد سبقوني لتلك الينابيع الصافية والنقية، واستفادوا منها، واستطاعوا أن يستخلصوا الفائدة الكبرى منها، وأن يلخصوا فكرة الكاتب الأساسية.
بينما حاولت أنا صياغة رؤيتي، فوجدت أن الكلمات البليغات قد هربت مني وولّت، وكذلك الأفكار قد ابتعدت تماماً، فلم أستطع إعطاء رؤية مفيدة وجديدة لمن سيتابع صفحة الكاتب، سوى انطباعات شخصية.
أيعقل بعد أن قرأت هذه الكتب واستفدت منها وأثرت إيجابياً في حياتي، أنني لا أستطيع تلخيص فكرتها أو إعطاء نبذة يسيرة عنها؟!
انتقلت إلى كتاب آخر، فاستنسخت الصدمة الأولى نفسها، وبشكل مختلف قليلاً بحجم اختلاف غلاف الكتاب الأول عن الثاني...
وبعد جولة سريعة على بعض الكتب التي استفدت منها، خرجت وفي القلب غصةٌ وألم..
وبدأ ذهني بالبكاء وقتها!
نعم كان ذهني يبكي، لأنه استفاد من هذه المعلومات وحبسها في مساحته الضيقة، ولم يخرجها للناس فيستفد أكثر منها..
وجابهتني أسئلة قوية كانت مثل ضربات المطارق الحديدية ...
هل أنا نحلةٌ جنت الرحيق من كل هذه الورود ومع ذلك بخلت وضنّت على الناس بإنتاج العسل؟
لماذا أكون مستهلكاً (فكرياً) ولا أكون منتجاً؟
متى سأخرج زكاة الفكر والعلم الذي تعلمته؟
كم هو مقدار مخرجاتي من الفائدة الفكرية والعلمية؟
دعوت الله وقتها أن يرزقني العلم النافع الصالح، وأن يهديني إلى طريقه المستقيم القويم، وأن يجعلني نافعاً للناس وناصراً لدينه.
وانطبعت صورة الحديث النبوي في ذهني بعد ذلك (والذي لا أحفظه جيداً للأسف، واضطررت لقراءته من الكتب مرة أخرى):
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) [رواه البخاري]
ولكنني لا أزال أحمل الأمل الكبير برغم الألم العظيم الموجود، وأنا مؤملٌ بالله خيراً، فهو مولاي وعليه توكلت وإليه أنيب..
لن أطيل البكاء، فبمقدار ما ننظر للماضي الأسود، بمقدار ما تسوّد وتُشوّش الرؤية للمستقبل
لن أطيل البكاء، لأنني واثقٌ برب السماء، وأن الله لن يضيع عبداً دعاه..
إن شاء الله سيفتح المستقبل أذرعته لي، حتى وإن كان الحاضر يجلدني بسياطه المؤلمة..
بداية إشراقة الشمعة احتراقةٌ ألهبت فتيلها، ثم صارت نوراً يضيء الدرب للضائعين والتائهين..
اللهم إني أسألك أن ترزقني حب العلم النافع وأن تجعلني من النافعين والمصلحين ..
اللهم اغفر لي وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات..
الخميس 26/5/1435هـ 
          27/3/2014م