الأربعاء، 5 أغسطس 2015

كليمات حول هاشتاق #فلسطين_ليست_قضيتي

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه المرسلين، وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
ربما لم تحظ قضيةٌ من قضايا الإنسان بالتداول والنقاش، والتأييد والرفض، والموالاة والمعاداة، مثل ما حظيت به القضية الفلسطينية. وهي القضية التي تجاوزت حدود زمانها ومكانها، لتصبح نموذجًا فارقًا في الصراع بين الخير والشر، والوفاء والخيانة، والعدل والظلم.
والحقيقة أنني لست بذلك الأديب البارع الذي يقولب الأمور في قوالب العاطفة والوجدان، ويحرك القلوب بدقائق المعاني وعجائب الألفاظ، ولست فيلسوفًا حكيمًا يتجاوز سطح المشكلة وينفذ إلى أعماقها، فيبرز الصورة كاملة بأجزائها التي يختزلها الإعلام وأرباب السياسة والوعّاظ وعامة الناس هنا وهناك. 
ولكنني شاب من عامة الناس، أحببت أن أشارك رؤيتي لما تداوله بعض المغردين في هاشتاق #فلسطين_ليست_قضيتي، وأنقد موقفين تكررا كثيرًا في الهاشتاق.

الموقف الأول: موقف اختزال القضية وتسخيفها.






ليس ما يكتبه هؤلاء المغردون هو بنات أفكارهم فحسب، بل قد يكون تمثيلًا، لرأي الكثير من الناس، وربما ثقافة نشأوا وتربوا عليها.
وعلى كل حال، فليس هذا مجال الرد التفصيلي، ولكن أشير إلى الأخطاء إجمالًا.
1-الاختزال الشديد (Oversimplification):
واضحٌ من لهجة المغردة سارونة أنها تعتقد أن الفلسطينيين شعبٌ سيء وحقود، ومن ثم فهو لا يستحق التعاطف والتضامن.
ولكن هل السبب الذي يجعلنا نتعاطف مع الفلسطينيين هو أنهم شعب خلوق ومحترم؟
بالطبع لا، الملايين من المسلمين والكافرين يتعاطفون مع هذه القضية بوصفها قضيّة ظلم واعتداء على الفلسطينيين أنفسهم، ولأجل ذلك، فهم مظلومون يجب الانتصار لهم والانتصاف ممن ظلمهم وآذاهم.
وحتى مع التسليم الجدلي بأنهم قوم سوء وخيانة، فإنهم لا يستحقون أن يظلموا، لأن الظلم محرمٌ أبدًا تجاه أي شخص، حتى ولو كان ظالمًا مجرمًا. فالظالمون يجب أن يعاملوا بالعدل، وكذلك بقية البشر. الإحسان للمحسن، والعدل مع المسيء، وكف الأذى عمّن لم يظهر منه خير أو شر.
2-التعميم المتسرع (Hasty generalization):
تعميم التخوين وافتعال المشكلات صدر من قِبل المغردة روما لا شريك لها، وأيضًا المغرد/ة Taboo، والسؤال هنا: إلام استند هؤلاء في أحكامهم على شعب كامل؟ هل هي تجارب فردية أم إحصاءات منضبطة ودقيقة؟
هو كلام إنشائي له تاريخه الطويل، لمن يعرف أبعاد القضية والمتعاطفين معها.
3-الاستدلال الخاطئ:
تقول المغردة هدية العنزي أن فلسطين هي أرضٌ وهبها الله لليهود، وأن ذلك مذكور في القرآن، ثم تختم تغريدتها بتساؤل تراه مهمًا ومشكلًا: (هل هناك آية تقول أن الله تراجع عن هذا العطاء وأعطاها للمسلمين؟).
والسؤال الذي ينبغي طرحه: أين ذكر الله ذلك صراحةً في القرآن؟
قد نتبرع بالإجابة عن المغردة هدية، ونقول أن مقصودها قد يُفهم من سورة الإسراء، لأن المسجد الأقصى قد ذُكِر صراحةً في مقدمة السورة.
ولكن هل يدل سياق الآيات على أن الله قد وهب أرض فلسطين لليهود؟ 
تعالوا لنتأمل ذلك مجددًا.

أين ما يدل صراحةً أو تلميحًا على أن أرض فلسطين هي لليهود؟
وما دام أن مقدمة المغردة التي ذكرتها في تغريدتها غير مدعومة بالدليل الصحيحة، فالنتيجة تسقط تبعًا، ويصبح السؤال الذي طرحته بلا قيمة.
4-غياب الإنصاف والعدل:
أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالعدل مع الآخرين حتى وإن كانت العداوة بينهم قائمة، فقال سبحانه: ((ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)) [سورة المائدة/8].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في سياق الحث على نصرة المظلوم: ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)) [رواه البخاري].
يتضح من قول المغردة روما، أنها لا تريد نصرة القضية الفلسطينية، لأنهم باعوا أرضهم وكانوا خائنين ... إلى آخره.
وبغض النظر عن صحة الكلام الوارد أعلاه، فهل هذا السبب كافٍ لجعل القضية الفلسطينية قضية لا تستحق النصرة؟
مهما كانت أخطاء الفلسطينيين تجاه أنفسهم أو غيرهم كبيرة وعظيمة، فإن هذا لا يسوِّغ لشعب آخر أن يظلمهم وينتزع حقهم منهم.
لماذا؟
لأن الظلم شرٌ مطلقًا، ولا يجوز أن يُرد الظلم بظلمٍ مثله، بل يجب أن يعامل بالعدل، العدل وحسب.
إن مثل هذه المغردة ومن يوافقها في قولها، كمثل شخصٍ رأى امرأة يغتصبها مجهولون على قارعة الطريق، فأراد أن ينتفض وينتصر لها بأن يهاجم المغتصبين أو يخبر الشرطة، فهتف به أحدهم وقال له: لم تفعل ذلك؟ ألا تعلم أن هذه المرأة كانت تظلم جيرانها، وتخون زوجها، وتعامل الناس بوجهين؟ كيف تنتصر لامرأة دنيئة الطبع كهذه؟ 
فتوقف صاحبنا هنيهةً بعد أن فكر في الموضوع، ثم انسحب من المشهد قائلًا لنفسه: كيف لي أن أعين امرأة خبيثة كهذه؟!
وقد ارتكب هذا الرجل -كما نرى- خطيئتين، الأولى: أنه صدّق ما سمعه دون أن يتحقق من صحته أو يتأكد من صدق قائله، فأساء ظنه، ثم بنى قراره على ذلك. والثانية: أنه تخاذل عن نصرة المرأة لمّا ظلمها المجهولون، فالاغتصاب جريمة وظلم كما هو معلوم، وكفّه وردع من يقوم به = واجب.
ولا ريب أن الساكت عن الظلم أو المنكر، مع قدرته على تغييره وإنكاره = مشاركٌ فيه، ومقارف لإثمه، ولو لم يباشر ذلك بنفسه.
----
الموقف الثاني: ليست هناك قضية فلسطينية حقيقةً!
لو تأملنا تغريدات أصحاب الموقف الثاني فسنجدها تميل إلى لوم المسلمين، والعرب تحديدًا، بسبب تخاذلهم في نصرة هذه القضية ومتاجرتهم بها. ولكن هل هذا هو ما يُفهم من كلامهم فقط؟ سنرى ذلك، وسأكتفي بعرض التغريدات كما كتبها أصحابها ثم التعليق عليها باختصار.



1-فساد الربط، ولزوم ما لا يلزم:
نلاحظ في التغريدة الأولى أن المغرد بندر الحسيني ينفي أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين حقًا، وذلك لأنهم لم يبذلوا لها شيئًا يستحق.
وكلامه فيه شيءٌ من الحق المشوب بالباطل، من جهة أنه لا تلازم بين ثبوت القضية وصحتها، وبين السعي لتحقيق هذه القضية. نعم قد يكون لكلامه بعض الوجاهة إن كان لغرض الزجر والوعظ لا على سبيل التقرير.

2-أبيض وأسود:
من المغالطة أحيانًا، اختزال كثيرٍ من قضايا الحياة وشؤونها، بين قطبين: موجبٌ وسالب، انتفاء أحدهما يوجب ثبوت الآخر، والعكس صحيح. وحقيقة الأمر، أنه بين هذين القطبين، توجد الكثير من الاحتمالات الواردة، والتي تحتاج إلى دراسة وتأمل حتى تُنفى أو تُثبت، أما نفيها جميعًا بلا تأمل أو تثبت فهو من التسرع في الحكم، والذي يفضي إلى أخطاء شنيعة عند التطبيق.
مثال، مقولة الرئيس الأمريكي جورج بوش: (إن لم تكن معنا فأنت ضدنا) وقد عبّر عنها سياسيون كثرٌ قبله وبعده.
https://www.youtube.com/watch?v=cpPABLW6F_A
https://en.wikipedia.org/wiki/You%27re_either_with_us,_or_against_us
_
نلاحظ أن المغرد Moo قد وقع بنفس المغالطة، حيث أنه حصر مغردي الهاشتاق بين خيارين لا ثالث لهما، وهما المقاومة المسلحة أو التطبيع مع العدو. وهو قد أغفل خيارات أخرى لا تقل أهمية عن القتال، مثل: الحرب الإعلامية، والحشد المستمر للقضية، والتذكير بها دائمًا، والدعاء على الظالمين. كلها خيارات بيد المستضعفين ومن لا يملكون قرارًا حاسمًا، وهي بلا شك خيرٌ من الانهزامية والاستسلام.

3-الحلول المثالية (البعيدة عن الواقع):
في آخر تغريدتين (الأخيرة وما قبل قبل الأخيرة)، يتمثل التنظير في أعلى صوره، وذلك من خلال اختراع حلول لا تحسم القضية، ولا تعالجها من جذورها.
حل التعايش السلمي مع إسرائيل لا يجدي، لأنه حتى وإن اضطر الواقع بعض الفلسطينيين للاعتراف ضمنًا وصراحةً بإسرائيل، إلا أن عموم الشعب الفلسطيني رافضٌ للوجود الصهيوني في أراضيه. ومن ثم، فخيار التسوية أو التطبيع لن يحل شيئًا بالنسبة لهم.
بالإضافة إلى أن حق إسرائيل في البقاء والاستمرار غير مكفولٍ لهم وإن تطاول الزمن. فالفلسطينيون مقتنعون -وهم على حق في ذلك- بأن هؤلاء القوم (أعني الصهاينة) قد أتوا على حين غرة، واقتلعوا الأرض من أهلها اقتلاعًا، ثم هجّروهم وطردوهم، وهدموا مساكنهم. ولم يكتفوا بذلك وحسب، بل ارتكبوا ضدهم أفظع المجازر وأبشعها، فهل سيكون للصلح والتسامح مكانٌ بعدها؟
إن مثل إسرائيل وفلسطين، كمثل ضيفٍ حل على مزرعة قوم آمنين، وتصرف بها شيئًا فشيئًا حتى ادعى أنها مزرعته ابتداءً، وأن من حقه المكث والاستثمار إلى أن يشاء الله، ثم هو بعد ذلك يتفضل عليهم، بأن يفاوضهم ويساومهم على أن يملكوا جزءًا صغيرًا من هذه المزرعة الواسعة. فهل سيقبل أهل المزرعة بهذا الحل وإن طال الزمان؟
إن معاقبة الظالم والأخذ على يديه، لها أثرٌ عظيم في نشر السلام والمحبة، وأما غير ذلك، فهو الظلم بعينه، حيث يُداهن هذا الظالم، وينسل من جريمته كما لو أنه الحمل الوديع وليس الذئب المفترس.
--
لا أريد الإطالة والاستطراد، فالنماذج المشابهة كثيرة، والوقوف على العلة الجامعة بينها يكفي لبيان الخطأ والزلل.
وفي نهاية المطاف، أدعو الجميع إلى التفكير في عواقب ومآلات ما يعتقدونه، قبل أن ينشروه على الملأ، فالله رقيبٌ على ما نقول ونعمل.
اللهم اهدنا إلى الحق واجنبنا الباطل وأهله.