الأحد، 7 فبراير 2016

رفع السوط على من دافع مسفسطًا عن قوم لوط

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الكريم وبعد،
*السفسطة وفقًا لمعجم المعاني هي "قياس وهمي باطل غايته إسكات الخصم" وهي مصدر سفسط يسفسط فهو مسفسط. والمقصود بعنوان المقال الردُ على من يدافع بسفسطة عن قوم لوط، والوصف هنا كاشفٌ لا مقيد*
---
أنتج فريق برنامج الفئة الفالة حلقةً جديدة من برنامجهم عن زواج الشواذ الذي حدث في الرياض، ولاقت هذه الحلقة ردود فعلٍ عنيفة للغاية، وأدت هذه الردود أخيرًا إلى حجب الحلقة كما يقول أحد المقدمين.

وقد تطوع بعضهم لترجمة الحلقة إلى الانجليزية ليوصلها لأكبر شريحة.

رابط الحلقة المترجمة

وثار الجدل كثيرًا حول قول المقدم في الدقيقة 1:46 حيث أكد على أن ما يستحقه الشواذ من عقوبة هو الإعدام بالخازوق.
ومما لا شك فيه أن المقدم قد بالغ وأخطأ في تقريره عقوبة الشواذ أن تكون إعدامًا بالخازوق، ولكنه محقٌ من حيث المبدأ العام (أي: إعدام الشواذ) لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) [رواه الترمذي وصححه الألباني].
والقول بقتل اللوطي قول فقهي معتبر(1)، وبعض العلماء قد قالوا بخلافه (2)، وما يهمنا في هذا السياق هو إبراز المغالطات التي جرت في الهاشتاق ردًا على حلقة الفئة الفالة ومقدميها.
-
المغالطات:
1-التلاعب بالألفاظ
2-الاحتجاج بالقدر
3-الدعاوى المجردة عن الدليل
4-رجل القش
-
1-التلاعب بالألفاظ والمفردات لا يغير الحقائق التي يقصد المتكلم أو الكاتب إيصالها، فالسياق دليلٌ على قصد المتكلم والكاتب، وهو الذي يحدد معنى المفردة التي يريدها. فإن كانت المعاني فاسدة باطلة فلا يغني عنها اللعب على وتر الكلمات.
الشذوذ (أو ما يسمونه بالمثلية): لفظٌ مجملٌ موهم، فتارة يقصد قائله الميل الجنسي والعاطفي، وتارة يقصد به اللواط والسحاق.
ولا يُلام الإنسان أو يعاقب بناءً على (محض) الميل الجنسي أو العاطفي فهذا مما لا يملكه غالبًا، ولكنه يُلام على اتباعه والانقياد له. كما أن الشهوة الجنسية قوية في الإنسان بحيث لا يستطيع مدافعتها إلا مع بالغ المشقة، لكن اتخاذ الأسباب التي تفضي إلى تهييجها خطأ يلام عليه الإنسان (مثال: النظر واللمس المحرم).
فمن يحارب الشذوذ حقيقةً هو يحارب الفواحش التي حرمها الإسلام، وكذلك أسبابه، فالحديث عن الميل الجنسي والعاطفي لا معنى له هنا.
فالعقاب -إذن- ليس على مجرد الغريزة -كما يحاول بعض الجهلة والملاحدة أن يصوروه-، وإنما على استخدامها في الحرام.


وأوردُ هنا إجابة مهمة للدكتور حسام الدين حامد حول هذه الجزئية.


-
2-الاحتجاج بالقدر هو دأب المبطلين والظالمين الذين يتهربون من عواقب أخطائهم التي جنتها أيديهم. وليس في القدر حجةٌ لعبد من عباد الله في كفره وظلمه ومعاصيه، بل هو على العكس من ذلك حجةٌ على من يحتج به ليغالط ويكابر.
وقد ألّف الإمام ابن تيمية رحمه الله قصيدة طويلة في الرد على من احتج بالقدر، وشرحها الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه (الدرة البهية، شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية)(3).
ويتجلى الاحتجاج بالقدر بأبشع صوره في تعجب (ف) من خلق الله للشواذ ومعاقبتهم على ذلك.
اعتراض (ف) اعتراضٌ سقيم ساقط لا يصدر إلا عن الجاهلين المغفلين!
(ف) يتلاعب ويشغب بلفظ الشواذ، كما بيّنا في مغالطة التلاعب بالألفاظ، بالإضافة إلى أنه يغالط باحتجاجه بالقدر.
فلم يفعل الشواذ ما فعلوه إلا بإرادة تستلزم وجود القدرة والاختيار. فهم مختارون قادرون، وعلى هذه (أي: الإرادة) قام تكليفهم، ومحاسبتهم، وبها يتحدد مصيرهم إما إلى الجنة أو النار.
وعقاب الشواذ ليس لمجرد ميولهم الجنسية، بل لاتباعهم إياها، كما أن عقاب شارب الخمر ليس لمجرد رغبته في شرب الخمر، بل لأنه اتبع رغبته وأطاع هواه فشرب الخمر.
وفيصل هنا -هداه الله إلى الحق أو جازاه بما يستحقه- يسيء أدبه مع الله ويتعجب من أوامره بصيغة اعتراضية، ولا يتعجب من طغيان البشر وفجورهم الذي يجعلهم يتمادون في معصية الله سبحانه وتعالى رغم علمهم بأمره ونهيه.
فمن أحق بالتعجب هنا؟ أو ليس العبد -الذي يمنحه سيده -ولله المثل الأعلى- كل فرص التوبة والمغفرة ثم يفر منه هاربًا متبعًا شيطانه وأهواءه- أحقُ بالتعجب والاستغراب؟
ويُقال كذلك لـ(ف): إن هؤلاء الشواذ الذين نعاقبهم إنما جرّوا العقوبة إلى أنفسهم بفعلهم هذا، كما أن المنتحر يستجلب الموت لنفسه ويلام عليه.
ونختم هذه الفقرة باقتباسين مهمين من كتاب ابن سعدي رحمه الله
يقول رحمه الله: "فإن مضمون الاحتجاج بالقدر؛ يعني: أن الله اضطره وألجأه إليه، وأكرهه عليه؛ وهو لا يريد الذنب. وهو كذبٌ صريح: فإن الله مكَّنه من الترك. بل فتح له كل باب يصد عن الذنب؛ وقد أبت نفسه الأمارة بالسوء إلا أن توقعه بالذنب. فالملام عليه لا على ربه" (4)
ويقول أيضًا: "فكفر الكافرين وإجرام المجرمين بمنزلة من أكل سمًا، أو قذف نفسه في نارٍ أو مهلكة؛ لا بد أن يترتب عليه مقتضاه وأثره.
فإذا كنت لا تعذر من أكل سمًا أو ألقى نفسه في تهلكة، وتنسب هلاكه إلى عمله-؛ فالكفر والمعاصي كذلك، بل أبلغ؛ لأن آكل السم والملقي نفسه بالهلكة، ربما يعرض بعض العوارض المانعة من الهلاك.
بخلاف الكفر وتوابعه؛ فإن آثاره مترتبة عليه قطعًا، إلا إذا رفعها العبد بتوبة نصوح" (5)
--
3-الدعاوى المجردة عن الدليل
من الباطل صياغة المقدمات الكاذبة للتوصل إلى نتيجة يزعم صاحبها أنها صادقة، ومن أبطل الباطل صياغة نتيجة مبنية على مقدمات معدومة، ثم الادعاء بأن هذه النتيجة حق، بل والزعم بأن من يخالفها مبطل ضال!
وقد رأينا هذه الدعاوى المجردة عن الدليل في نحو قول بعضهم:
(أ): يصف المطالبين بإعدام اللوطية بأنهم داعشيون يعبرون عن أفكارهم الداعشية.
(ب): يتسائل عن تقبل المسلمين المسالمين لغيرهم وكذلك للاختلافات والحب بمختلف أشكاله.


لا يقوم لـ(أ) هنا أي دليل أو حجةٍ في أن قتل اللوطي خاطئ أخلاقيًا سوى تشبيه من يدعو إلى ذلك بداعش.
فكان ماذا؟
هل اشتراكه في هذه الجزئية مع داعش أو غيرها يجعلها خاطئة بالضرورة؟ أم أنه مجرد تشغيب لفظي لا معنى له؟
إن ثبت أن قتل اللوطي فكرة داعشية المنشأ (وهذا تخريف باطل بلا شك، فالقول بقتل اللوطي قديم سابق لداعش)، فيجب عليه بعد ذلك أن يثبت أن جميع أفكار داعش باطلة أو أن هذه الفكرة على وجه الخصوص باطلة، ولا يصح له تعليل بغير الخيارين السابقين. إذ أن الأول يقتضي صحة كلية موجبة (جميع أفكار داعش باطلة) تندرج تحتها جزئية موجبة(فكرة قتل اللوطي)، وصحة الخيار الثاني تقتضي بالضرورة أن ربطه إياها بداعش عبثٌ وتشغيب. فإن كانت الفكرة خاطئة لذاتها، فمجرد نسبتها لداعش أو غيرها من المنظمات لا يثبت خطأها وفسادها.
-
أما (ب) فهو يبني الشق الثاني من التغريدة على الشق الأول، فهو يفترض ابتداءً أن كون الشخص مسلمًا ومسالمًا يستلزم تقبله لللواطة تحت مسمى (تقبل الاختلافات والحب بكل أشكاله)!
من أين لك أن عمل قوم لوط = حب واختلاف مقبول في الإسلام؟
عمل قوم لوط غير مقبولٌ في الإسلام حتى ولو قبله أهل الأرض كلهم، ومن ثم فيجب على المسلم ألا يقبله ويرضى به. لا يقبل المسلم اللواط كما لا يقبل القول على الله بغير علم والشرك به، والقتل والظلم والزنا والربا وسائر الكبائر والصغائر.
فرفض المسلم لللواط إنما هو من حيث كونه مسلمًا، فمطالبتك للمسلم بقبول اللواط مشابهةٌ (إن لم نقل أنها مماثلة) لمطالبة المسلم برفض الإسلام جملة وتفصيلًا.
---
4-رجل القش مغالطةٌ شهيرة وهي من أصول التفكير السقيم. يخترع أحدهم حججًا افتراضية وينسبها إلى خصومه أو يشوه حججهم الأصلية ليظهر بمظهر المنتصر الذي نصر الحق وأبطل الباطل. وكل ما صنعه -في حقيقة الأمر- هو الهروب من إلزامات خصومه وحججهم، إلى أوهام يزيفها لينتصر بها لمذهبه.
وهذه المغالطة تكررت كثيرًا في الهاشتاق، وهذه بعض الأمثلة لها:
(م): مطالبتك بقتل الشواذ بسبب اختلاف ميولهم الجنسية تجعلك داعشيًا
(ح): المطالبة بقتل أشخاص بسبب قرارتهم (يقصد الشواذ) متنافٍ مع التسامح
(ع): من الحمق الكبير التدخل في خصوصية شخصين في غرفة مغلقة

---
ليس لدى (م) جديدٌ يذكره بخصوص الشذوذ الجنسي، فما قاله باطلٌ بينّاه في بداية هذا المقال. الجدير بالذكر أنه استخدم نفس مغالطة (أ) حين نسب قتل اللوطي إلى داعش.
ليست حجة الفقهاء القائلين بقتل اللوطي هي مجرد اختلاف الميول الجنسية كما يحاول (م) أن يقرر هنا، فإن كان (م) قادرًا على التخريج الفقهي المنضبط، فليفعل ذلك مشكورًا مأجورًا، وإلا فإن تكرار نفس الهراء الذي يقوله بعض الناس لا يغني ولا يسمن أبدًا.
-
يكرر (ح) نفس العبث الذي انتقدناه سابقًا، ولكن المفارقة الطريفة هي أن حجته التي يذم بها المنادين بقتل اللوطيين يسهل قلبها عليه. إذ أننا نعاقب القاتل والسارق ومغتصب النساء والمتحرش بهن لأجل قراراتهم التي اتخذوها، فإن حاول (ح) أن يفرّق بين هذه الجرائم السابقة وجريمة اللواط، فيقال له: إن العلة التي تذم لأجلها من يقول بقتل اللوطي هي نفسها العلة التي نعاقب بها أصحاب تلك الجرائم. قد تضيف عللًا أخرى تجعلك تقبل معاقبة القاتل دون اللوطي (مثل أن القتل جريمة متعدية، وأن ضررها أكبر...إلخ)، ولكن العلة الجوهرية التي انتقدنا بسببها موجودةٌ أيضًا في عقوبة القاتل، إذ أننا نعاقب القاتل بسبب اتخاذه بنفسه لقرار القتل، فما يلزمنا في عقوبة اللوطي يلزمك في عقوبة القاتل.
ويقال أيضًا لـ(ح) ومن احتج بمثل حجته أن هؤلاء اللوطيين قد اتخذوا قرارات خاطئة، وهذا يلزمهم بالطبع أن يقبلوا بالتبعات المترتبة على اتخاذهم لهذه القرارات. كما أن القاتل قد اتخذ قرارًا خاطئًا بالقتل، ومن ثم فيجب عليه أن يتحمل تبعة هذا القرار وهي العقوبة الشرعية.
-
تفترض (ع) أن هناك شيئًا خاصًا لا يحق لنا التدخل فيه، وشيئًا عامًا يكون من حقنا التدخل فيه. حسنًا، ما هو المعيار المنضبط الذي يطرد به هذا التقسيم؟ هل هو معيار شرعي؟ عرفي؟ قانوني؟ ليبرالي؟ الله أعلم.
تمارس ع تصويرًا سيئًا للقضية هنا، حيث أنها تفترض أن ذمنا للشواذ ومؤيديهم نابعٌ من تدخلنا فيما هو خاص بهم. وبغض النظر عن أننا لم نتجسس عليهم ابتداءً، وأنهم هم الذين جاهروا بذلك وافتخروا بدون أن يشعروا بعيب أو خجل.
بغض النظر عن هذا كله، من أين للعزى أن معاقبة اللوطية = تدخل فيما يختص بهم؟
ثبت أن اللائط والملوط به مجرمان لارتكابهما جريمة اللواط، وهذه الجريمة مستحقة للعقوبة (حتى عند الفقهاء الذين لا يقولون بأن حد اللواط هو القتل)، فهل لدى العزى دليل شرعي يضاد ذلك؟
ثم هب أننا سميناه تدخلًا، هل سيغير هذا من حقيقته الشرعية شيئًا؟ لا وألف لا.
-
لم تكن هذه التغريدات وغيرها آراءً تمثل أصحابها وحسب، بل كانت ممثلًا للكثير من المغردين الذين أعادوا تدويرها وفضلوها. ورغم أن مغالطاتها ظاهرة للعلن، إلا أنه لم يوجد من ينتقدها ويفندها ويظهر ما فيها من باطل.
وهذا من أكبر الدلائل على غياب العقل الناقد عند كثير من الناس -والله المستعان-.
-
بقي أن أتساءل: هل مشكلة المعترضين على قتل اللوطية هي في عدم التسليم للنصوص الشرعية أم في عدم ثبوتها؟
أترك الإجابة للقارئ الكريم.
والحمد لله رب العالمين.
البراء محمد
صباح الأحد 1437/4/28هـ
الموافق 2016/2/7م
الهامش:
(1): انظر إن شئت
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=158714
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=1869
https://islamqa.info/ar/38622
(2): ينبغي التنبه إلى أن وجود الخلاف بذاته ليس دليلًا ولا مرجحًا لقولٍ من الأقوال، والترجيح بالخلاف مذهب باطل.
وانظر إن شئت
http://www.dorar.net/article/460
(3): رابط الكتاب
http://waqfeya.com/book.php?bid=4995
(4): الدرة البهية ص67
(5): المصدر السابق ص59