الخميس، 30 يونيو 2016

اللحظة المناسبة بين الحقيقة والوهم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الكريم وبعد.
نستخدم مصطلح (اللحظة المناسبة) للتعبير عن الزمن الذي تبتدئ فيه مشروعاتنا الكبرى التي تتطلب بذل قدرٍ عالٍ من الجهد والوقت والتضحيات. وهذه الدلالة تؤكدها كلمة (المناسبة) التي تصف لحظة البدء تلك، فمناسبة اللحظة للعمل تقتضي بأن ابتداءه قبلها أو بعدها يفضي لفساده بالضرورة، وذلك لعدم مناسبة ذلك الزمن لهذا العمل.
عندما نقول: (اللحظة المناسبة) فإننا لا نقصد رقمًا مجردًا يعبر عن وقت معين كالعاشرة مساءً أو السادس من مايو، وإنما نقصد زمانًا تتهيأ فيه شروط حصول العمل وابتدائه وتنتفي وتختفي الموانع التي تعيق سيره وتجهضه قبل أن يبدأ. ومن هنا تحديدًا تنبع المشكلة التي سأشير إليها قريبًا في وسط المقال.
تؤكد تجاربنا وتجارب من نعرفهم أن كلمة (اللحظة المناسبة) أضحت مصداقًا قاطعًا لمفهوم التأجيل والمماطلة، فنحن نجد في أنفسنا تكاسلًا بيّنًا عن الأعمال التي نعلق ابتدائنا لها باللحظة المناسبة، وللأسف الشديد فإن دقة هذه الكلمة لا تعبر تمامًا عن دقتنا في تقييد أعمالنا بـ(الوقت المناسب).
أصبحت كلمة (اللحظة المناسبة) مطية لقاع الفشل والخسارة بدلًا من أن تكون جسرًا للنجاح والتفوق. 
فما السبب الذي يحيل تعبيرًا دقيقًا كهذا إلى تعبير مطاطي شديد المرونة والانسيابية؟ 
أحد هذه الأسباب هو أن اللفظ في حقيقته لا يحمل تلك الدقة المتناهية التي نتوقعها، فدقته -في حقيقة الأمر- هي أدنى بكثير من دقة التعبير عن زمن معروف وواضح كدقائق الساعة وأيام الأسبوع وشهور السنة. وذلك لأن تهيؤ الشروط وانتفاء الموانع يتعلق بزمان مبهمٍ غير معروف، والشروط والموانع لازمان من لوازم اللحظة المناسبة.  
هذه الملاحظة الدقيقة لا تنفي أن بعض السياقات تمنح دقة كبيرة لمصطلح (اللحظة المناسبة). فالتسجيل في مدرسة أو جامعة -معروفٌ وقت بدء التسجيل فيها- يرتبط باللحظة المناسبة التي لا تنفك عن هذا الوقت المعروف. أعني وقت التسجيل. باختصار، لن نستطيع أن ننفي أن الزمان الذي يعقب فترة التسجيل أو يسبقها لن يكون (لحظة مناسبة) للتسجيل. ومن ثم فلو قال أحدهم أنه يتحين (اللحظة المناسبة) ليسجل في هذه المدرسة أو الجامعة فتعبيره دقيق بالغ الدقة.
لكن ماذا عن المشروعات الفردية التي لا ترتبط بلحظة مناسبة معينة؟
ماذا عن التوبة؟ المذاكرة؟ ممارسة الرياضة؟ الزواج؟ ... إلخ
تُسأل عن سبب تأخرك في واحد من هذه الأعمال فتجيب قائلًا: أنتظر اللحظة المناسبة.
جميل أن تنتظر اللحظة المناسبة ولكن متى تحين هذه اللحظة المناسبة؟
ستفكر قليلًا وتنظر كثيرًا وتقلب رأسك يمنة ويسرة، ولكن قبل أن تخبرني بصعوبة تحديد هذه اللحظة، دعني أذكرك بمفهوم اللحظة المناسبة وهي اللحظة التي تتهيأ أو توجد فيها شروط العمل وتنتفي موانعه. 
سأتفق معك في صعوبة تحديد لحظة تعلم فيها وجود الشروط وانتفاء الموانع، ولكن سأسألك سؤالًا واحدًا: هل تعلم ما هي هذه الشروط الضرورية لعملك والموانع التي تعيقه وتجهضه؟
سأضيف إليه سؤالًا لا يقل أهمية عنه: لم لا تبدأ الآن؟! لم لا يكون الآن هو اللحظة المناسبة؟
لحظة من فضلك! لقد خطر ببالي سؤال أراه أكثر أهمية مما سبق: إن لم يكن الحاضرُ لحظةً مناسبةً لعملك، فما الذي ستبذله لتقريب هذه اللحظة وجذبها بحيث تكون (بعد قليل) لا (بعد كثير)؟
أوَ ليست مصلحتنا هي في أن تكون (اللحظة المناسبة) لمشروعاتنا العظمى أقرب إلينا من كل شيء؟ 
أو ليس من أعظم المفسدة أن يؤجل الواحد منا (لحظة مناسبة) لأنه لم يقدر قدرها جيدًا فتساهل بها وتجاهلها؟
...
أسئلة كثيرة لا تنتهي وكلها عن هذا المصطلح الذي صار تعبيرًا مهذبًا معقلنًا عن الكسل والخمول.
اللهم اجعل أعمارنا كلها لحظات مناسبة للخير والنجاح والتقدم
والحمد لله رب العالمين
كتبه البراء بن محمد
منتظرًا في مطار أبو ظبي
1437/9/25هـ
2016/6/30م