السبت، 5 أكتوبر 2019

من أجمع ما قيل في وصف الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
أما بعد،

فمن أفضل من وصف محاسن الكتاب هو الجاحظ في كتابه المحاسن والأضداد حيث يقول:
"الكتاب نعم الذخر والعقدة، والجليس والعمدة، ونعم النشرة ونعم النزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل والزميل، ونعم الوزير والنزيل. والكتاب وعاء مليء علما، وظرف حشي ظرفا، وإناء شحن مزاحا، إن شئت كان أعيا من باقل، وإن شئت كان أبلغ من سحبان وائل، وإن شئت سرتك نوادره، وشجتك مواعظه، ومن لك بواعظ مله، وبناسك فاتك، وناطق أخرس؛ ومن لك بطبيب أعرابي، ورومي هندي، وفارسي يوناني، ونديم مولد، ونجيب ممتع؛ ومن لك بشيء يجمع الأول والآخر، والناقص والوافر، والشاهد والغائب، والرفيع والوضيع، والغص والسمين، والشكل وخلافه، والجنس وضده؛ وبعد فما رأيت بستانا يحمل في ردن، وروضة تنقل في حجر، ينطق عن الموتى ويترجم عن الأحياء، ومن لك بمؤنس لا ينام إلا بنومك ولا ينطق إلا بما تهوى، آمن من الأرض وأكتم للسر من صاحب السر، وأحفظ للوديعة من أرباب الوديعة؛ ولا أعلم جارا آمن، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلما أخضع، ولا صاحبا أظهر كفاية وعناية، ولا أقل املالا ولا إبراما، ولا أبعد من مراء، ولا أترك لشغب، ولا أزهد في جدال، ولا أكف في قتال من كتاب، ولا أعم بيانا، ولا أحسن مؤاتاة، ولا اعجل مكافأة، ولا شجرة أطول عمرا، ولا أطيب ثمرا، ولا أقرب مجتنى، ولا أسرع إدراكا، ولا أوجد في كل إبان من كتاب. ولا اأعلم نتاجا في حداثة سنه، وقرب ميلاده، ورخص ثمنه وإمكان وجوده، يجمع من السير العجيبة، والعلوم الغريبة، وآثار العقول الصحيحة ومحمود الأذهان اللطيفة، ومن الحكم الرفيعة، والمذاهب القديمة، والتجارب الحكيمة والأخبار عن القرون الماضية، والبلاد النازحة، والأمثال السائرة والأمم البائدة ما يجمعه كتاب.

ومن لك بزائر إن شئت كانت زيارته غبا وورده خمسا، وإن شئت لزمك لزوم ظلك، وكان منك كبعضك. والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يقليك، والرفيق الذي لا يملك، والمستمع الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق.

والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بيانك، وفخم ألفاظك وبجح نفسك، وعمر صدرك، ومنحك تعظيم العوام وصداقة الملوك، يطيعك بالليل طاعته بالنهار، وفي السفر طاعته في الحضر، وهو المعلم إن افتقرت إليه لا يحقرك، وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عزلت لم يدع طاعتتك، وإن هبت ريح أعدائك لم ينقلب عليك، ومتى كنت متعلقا منه بأدنى حبل لم تضطرك معه وحشة الوحدة إلى جليس السوء، وإن أمثل ما يقطع به الفراغ نهارهم وأصحاب الكفايات ساعات ليلهم، نظر في كتاب لا يزال لهم فيه ازياد في تجربة، وعقل ومروءة وصون عرض وإصلاح دين، وتثمير مال، ورب صنيعة، وابتداء إنعام. ولو لم يكن من فضله عليك، وإحسانه إليك، إلا منعه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارة بك مع ما في ذلك من التعرض للحقوق التي تلزم، ومن فضول النظر وملابسة صغار الناس، ومن حضور ألفاظهم الساقطة، ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم الردية، وجهالتهم المذمومة، لكان في ذلك السلامة والغنيمة، واحراز الأصل مع استفادة الفرع؛ ولو لم يكن في ذلك إلا أنه يشغلك عن سخف المنى، واعتياد الراحة، وعن اللعب، وكل ما تشتهيه، لقد كان له في ذلك على صاحبه اسبغ النعم، وأعظم المنة"
(المحاسن والأضداد، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مطبعة السعادة، ط1 1324هـ، ص4-6). 

ولا مزيد على ما قاله أبو عثمان نفعنا الله بكتبه وكتب سائر العلماء المحققين الأفذاذ. 

السبت 1441/2/7هـ
2019/10/5م