الجمعة، 28 مارس 2014

انتظار لن ينتهي (الجزء الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين...
أما بعد...
الانتظار والترقب، هي لحظات من الشوق نحو المجهول أو المعلوم، ننتظره بأملٍ كبير أو يأس عظيم، ننتظره باستبشار وفأل، أو تشاؤمٍ يضيق الصدر أو قلقٍ يمنع النوم.
الانتظار قد يستطيل ويتمدد عبر الزمن، ليستهلك عمرنا كله دون إدراك أملنا المطلوب، وهدفنا المرغوب.
ننتظر الزواج، وننتظر الموت وننتظر النجاح، وننتظر الفشل، وننتظر الحبيب، وننتظر الراتب، وننتظر نتيجة الدراسة.
تعددت الانتظارات، والعمر يمضي والزمان يمر بسرعته المعتادة ليس بطيئاً أو سريعاً، ولكن بسرعته التي أوجدها الله فيه.
هناك انتظار طويل جداً، سأتحدث عنه، وفيه يمضي كثيرٌ من العالمين وقتهم حتى يقضي الله آجالهم..
إنه انتظار التغيير من الخارج...
ينتظر خالد أن تأتيه نصيحة ذهبية تغيّر حياته للأبد، تنقله من الحضيض إلى العلو، ومن الجحيم إلى النعيم، ومن العمق إلى السطح، لقد سمع خالد كثيراً عن قصص العظماء الذين غيّرت حياتهم كلمة واحدة، فما بالك بجملة أو عبارة!
لماذا لا يكون خالد عظيماً مثلهم، وينتظر النصيحة القوية العظيمة وهي تأتيه في طبق ذهبي؟
ينتظر سعد أن يتغير أصدقاؤه للأفضل، حتى يطيروا به نحو المعالي، ويأخذوا بيده نحو الخير، ويبعدوه عن طرق الغواية والخُسر.
فسعد يعلم جيداً أن الأصدقاء لهم تأثيرهم القوي على من يصاحبهم، وهو يحفظ تلك الحكمة جيداً (قل لي من تصاحب أقل لك من أنت).
ينتظر أحمد أن يكون في مدرسة عظيمة فيها جميع المرافق التعليمية المتميزة، وفيها المنافسة الشديدة والمحتدمة بين الطلبة، وفيها المدرسون المتميزون الذين يوصلون المعلومة بسهولة للطلبة، ويحفزونهم على النجاح، وكل ذلك حتى يحقق أعلى الدرجات.
ينتظر كامل تلك الدعوة الصالحة التي تغيّر حياته للأبد، وتهديه إلى الصراط المستقيم، ينتظر تلك الأكف التي ترتفع إلى السماء، لذا فهو دائماً يلح على الناس أن يتذكروه بالدعاء في كل لحظة.
...
كل هؤلاء وغيرهم وملايين البشر من قبل ومن بعد، ينتظرون أن تتغير البيئة من حولهم، حتى يغيروا أنفسهم بسهولة للأفضل، إنهم يتصورون البيئة التي حولهم مثل المسننات داخل الآلة، أو مثل الحيوان ضمن قطيعه وجماعته.
إنهم ينتظرون نزول التغيير من السماء، أو خروجه من باطن الأرض، أو إتيانه من الخارج...
إنهم يتصورون أنفسهم كالمسمار الذي يحتاج إلى المفك الذي يربطه جيداً ويضعه في المكان المناسب، والمسمار لا قيمة له من غير المفك.
....
إنهم ينتظرون وما أطول انتظارهم وما أبعدهم عن إدراك الغاية والمطلب...
إنهم يتجاهلون أو يجهلون قيمة وأهمية التغيير الداخلي للنفس، ويضعون كامل ثقتهم ومطلق أملهم في البيئة المحيطة أو القدر.
ولكن كم سينتظرون حتى يأتي التغيير من الخارج وتنزل الفرص من السماء؟
سنة أو سنتين أو عقداً من الزمان أو قرناً طويلاً؟
وهل نستطيع أن نتحكم في عمرنا بالإيقاف أو التمديد والتقليص؟
إن الذين ينتظرون قدوم التغيير من الخارج أو البيئة المحيطة أو ينتظرون الدهر والقدر، إنما هم كشخصٍ راغبٍ في السفر إلى وجهةٍ بعيدة، وينتظر مترقباً في محطة القطار مجيء القطار المناسب، لا يعلم كم سينتظر، ولكنه لن يحاول الوصول إلى وجهته بطريقةٍ أخرى بطائرةٍ أو سفينة أو سيارة أو مشياً على الأقدام..
إنه ينتظر قدوم القطار الذي قد يتسارع منطلقاً نحو هدف آخر، وقد لا يدركه هذا الشخص أصلاً...
شط المزار بسعدى وانتهى الأمل *** فلا خيال ولا رسمٌ ولا طللٌ
إلا رجاءٌ فما ندري أندركه *** أم يستمر فيأتي دونه الأجلُ
ولكنه يظل انتظاراً مريحاً ولا يتطلب منهم أي جهد يبذلونه سوى الاسترخاء والراحة، والقليل من التفكير، وكل هذه المميزات تريحهم وتخفف من طول ووطأة الانتظار.
...
نرجو وننتظر أن تطل علينا رياح التغيير، فتحرك (المراوح) الموجودة لدينا، وتفجّر طاقاتنا الداخلية، ننتظر النصيحة الجميلة الرائعة التي تغيّر مسارنا نحو الأفضل، فنحن كالطواحين الكبيرة التي تنتظر هبوب الرياح حتى تتحرك مراوحها وتطحن الحبوب.
وننتظر أن نجد الصديق المتميز المثالي الذي يعيننا على القيام بالخيرات، والانكفاف عن الموبقات، ننتظر أن نجد هذا الصديق، ولا نبذل حتى الجهد البسيط في البحث عنه، فقد يأتي به الله إلينا منقذاً ومخلصاً، وإلا فسنظل نراوح مكاننا، فنحن كالسيارة التي تنتظر قدوم السائق مع مفتاحها حتى تتحرك.
وننتظر أن تأتي كارثة طبيعية أو يحدث ظرف قاهر للدكتور أو المدرس فيتأجل الاختبار، أو توضع أسئلة سهلة جداً، أو يقيّض الله لنا من يساعدنا بالإجابات، وإلا فلن نذاكر أو ندرس، فنحن كالحاسب الآلي ننتظر من يوصلنا بالكهرباء، ويستخدمنا باحتراف ومهارة حتى نعمل بكفاءة عالية.
وننتظر أن يأتي الله بالرجل المخلّص أو ينزل صاعقةً من السماء، أو يأتي بالملائكة، أو يصيب عدونا المحتل بالطاعون والأمراض الخبيثة، وإلا فلن نطلق البارود أو نحفّز الجموع لتحرير الأرض والجهاد، فنحن كبيادق الشطرنج، تحتاج لمن يحركها.
نرجو وننتظر ولكن ما هي نتيجة انتظارنا ورجاءنا وترقبنا وشوقنا؟
...
الجميع لديهم (رجاء) ولكن ليس لديهم (أمل) إلا القليل، كل الطلاب (يرجون) النجاح، وكل الشباب (يرجون) الزواج، وكل الرجال (يرجون) العمل المريح المناسب ذا الدخل المرتفع...
ولكن القليل منهم (يأملون)، وذلك لأن (الأمل) يختلف عن (الأمنية)...
فالأمل يكون انتظاراً واستبشاراً بالنتيجة الجميلة، ولكنه ليس انتظاراً في محطة القطار، بل هو انتظار يرافقه العمل ويتزامن معه،هو انتظار المزارع الحريص لخروج محصوله، وانتظار الطالب المجتهد لنتيجة الدراسة، وانتظار التاجر المثابر لقبض [ثمن] أتعابه وأعماله. انتظار يصاحبه عمل.
والأمنية هي انتظارٌ ورجاء للمستحيل أو الممكن، يتمنى المسن أن يعود صغيراً، ويتمنى الكسول أن ينجح، ويتمنى العاطل عن العمل أن يجد وظيفة، فكلهم ينتظرون في المحطة، ويجلسون في المقاعد، ولا يتحركون. انتظار بلا عمل.
...
هل الطبيعة تغير الإنسان وهل الزمان والمكان يؤثران فيه؟ وهل انتظار المتغيرات الخارجية منهج سليم؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني..
والحمد لله رب العالمين..
ليلة السبت 1435/5/28هـ
الموافق 2014/3/29م